لعبة الأمم والشعوب المسحوقة!

رامي الريّس

أن يطلب الرئيس الأميركي جو بايدن من الكونغرس الموافقة على مشروع قانون بقيمة 33 مليار دولار لدعم أوكرانيا، فذلك يعني أن الحرب ستكون طويلة وأن واشنطن تريد إغراق الدب الروسي أكثر فأكثر في المستنقع الأوكراني، طالما أن “اللعب” مع موسكو لا يزال بالواسطة بعيداً عن السلاح النووي الذي من شأنه تدمير العالم، وطالما لم يحصل أي إحتكاك مباشر بين القوتين العظميين.

ويتضمن طلب التمويل الضخم تخصيص أكثر من عشرين مليار دولار من المبلغ الإجمالي للمساعدات العسكريّة والذخيرة والأسلحة النوعيّة المتطورة، ونحو 8.5 مليارات دولار كمساعداتٍ مباشرة للحكومة الأوكرانيّة وحوالي ثلاثة مليارات دولار من المساعدات المخصصة لتوفير الأمن الغذائي في ظل الحصار الروسي وإستمرار العمليّات العسكريّة، والى الدعم الإنساني في قطاعاتٍ أخرى.

من خلال هذه الخطوات الداعمة لكييف، ومن خلال رفع مستويات التنسيق الأميركي – الغربي، وتفعيل الأنظمة الدفاعيّة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي يوفر مظلة الحماية الوحيدة عمليّاً لأوروبا؛ تكون واشنطن قد كسبت المزيد من الوقت لإستنزاف روسيا التي لعلها لم تتوقع أن تطول مدة العمليّات العسكريّة، وباتت غير قادرة على التراجع.

ولا يكفي توصيف الرئيس الأميركي لتهديد نظيره الروسي بإستخدام السلاح النووي بالقول انه “كلام غير مسؤول”، ذلك أن اللعب بين واشنطن وموسكو هو على حافة الهاوية. أما من يسقط من الضحايا في أوكرانيا أثناء لعبة “عض الأصابع”، فذلك ليس شأناً مهماً حقاً في لعبة الأمم وتطاحنها وتصارعها. دائماً الأبرياء يدفعون الأثمان الباهظة.

فعلى الرغم من عمق الأزمة وإحتدام الصراع الروسي – الغربي، إستطاعت موسكو وواشنطن إبرام صفقة لتبادل سجينين هما جندي مشاة البحرية (المارينز) الأميركي السابق تريفور ريد الذي أدين من قبل محكمة روسيّة في العام 2020 بالإعتداء على شرطي روسي تحت تأثير الكحول، مقابل الطيّار الروسي كونستانتين ياروشنكو وهو كان مداناً بتهريب المخدرات وسُجن في الولايات المتحدة. تُذكر هذه الحادثة، في هذه اللحظة السياسيّة العاصفة والساخنة، بتبادل السجناء في حقبة الحرب الباردة على جسر “غلينيك” في برلين، وهو الجسر الذي إشتُهر بإسم “جسر الجواسيس” وكان الرابط الجغرافي بين ما كان يُعرف بـ “المنطقة الأميركيّة” في غرب برلين بمدينة بوتسدام في ألمانيا الشرقيّة التي كانت تحت نفوذ المعسكر السوفياتي.

وهناك أميركيّان آخران لا يزالان في السجون الروسيّة، ومن غير المستبعد أن تسعى واشنطن لاحقاً الى البحث في موسكو سبل الإفراج عنهما لأنه لطالما إعتبرت الإدارات الأميركيّة المتعاقبة الإفراج عن مواطنيها المعتقلين في دول أخرى من الأولويات الوطنيّة، كما أنه يُشكل إنتصاراً سياسيّاً للمسؤولين يمكن توظيفه شعبيّاً وانتخابيّاً.

المهم في كل هذه السرديّات هو أن الشعوب تدفع الأثمان الباهظة نتيجة الخلافات بين العمالقة، وبطبيعة الحال تستفيد في هذا الوقت الشركات الدوليّة المصنّعة للأسلحة لأنها بحاجة دائمة الى تصريف إنتاجها، وهذا لا يتحقق ما لم تتواصل التهديدات من الدول الكبرى للدول الصغرى ومن الدول القويّة للدول الضعيفة، وما لم تندلع الحروب بين الحين والآخر لزيادة المبيعات في قطاع إنتاج الأسلحة الحربيّة.

لقد أفاد “معهد استوكهولم العالمي للسلام” بأن “مبيعات الأسلحة من قِبَل الشركات العالمية إرتفعت بنسبة 1.3 بالمئة سنة 2020، محققةً مستوى قياسياً بلغ 531 مليار دولار على الرغم من انكماش الاقتصاد العالمي بأكثر من 3 بالمئة”. فعلى الرغم من جائحة “كورونا” وتعثر الإقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق وإقفال الغالبيّة الساحقة من المصانع والمعامل والشركات نتيجة تفشي الوباء، إلا أن مصانع الأسلحة الكبرى حول العالم لم تتوقف عن الإنتاج والبيع!.

إنها رأسماليّة الإستهلاك البشع التي ستقضي على البشريّة!.

شارك المقال