لبنان مركب طرابلس ومرفأ بيروت

محمد علي فرحات

أبناء طرابلس الغارقون في البحر بعد تحطم مركبهم في الرحلة من مدينتهم الى أي مكان يستقبلهم في العالم، تكاد مأساة هؤلاء تضيع في السجال اللبناني غير المسؤول، تماماً كما ضاعت قضية انفجار مرفأ بيروت في خلافات حول تكليف هذا القاضي أو ذاك بالتحقيق، على الرغم من أن الانفجار كاد يوازي قنبلة هيروشيما النووية.

غرق المركب وتفجير المرفأ لا علاقة مباشرة لهما بقوى اقليمية أو عالمية. انهما شأن لبناني داخلي، ودليل على أن الادارة اللبنانية تتخلى عن مسؤولياتها أو أنها تشرذمت تبعاً لتشرذم القوى التي تدعمها.

ولا يكفي لبنان أنه يستقبل على أرضه تناقضات الاقليم والعالم، فنراه يعلي من شأن خلافات سياسييه الى حد شلل مرافق الدولة بما فيها القضاء والسلطات التنفيذية، مع تراجع مأساوي في قيمة العملة اللبنانية، وعيش غالبية الشعب في مجاعة غير معلنة حتى الآن. ويجري ذلك كله ولبنان مقبل على انتخاب مجلس جديد للنواب، إذا صحت التوقعات ولم يحدث ما ينسف الموعد هذا بأحداث كبيرة تمنع إتمام الواجب الوطني.

ويلتفت المراقبون العرب والأجانب الى ايجابية وحيدة في التنافس بين المرشحين للانتخابات، وهي وجود لوائح عدة في الدائرة الواحدة، ما يعني أن أمام الناخب طرقاً عدة للاختيار، وليس مجبراً على خيار واحد الا في مناطق سيطرة الثنائي الشيعي حيث ينعدم وجود المنافسين، وإذا وجدوا فانهم يحرمون، عبر ضغوط عدة بعضها أمني، من التحرك بحرية في تقديم برامجهم للجمهور.

تنافس ديموقراطي؟ نعم. ولكن في حدود الصراع على الزعامات والتنافس في اعلان مطالب محلية تقنع الناخبين وتجذبهم. أما القضايا الكبرى المتحكمة بمصير لبنان دولة وشعباً فهي فوق مطال المرشحين ولا يستطيعون التأثير فيها مباشرة، حتى وإن دخلوا تحت قبة البرلمان. انها شأن اقليمي وعالمي كما يؤكد المراقبون ويكررون التأكيد.

وإذا كان التنافس في الظاهر على الزعامة، فهو في العمق انعكاس محلي للقوى الكبرى المتصارعة على لبنان، سواء أعلن المرشحون ذلك أو ألمحوا اليه أو لم يعلنوا ولم يلمحوا. من هنا يبدو لبنان اليوم منقسماً على نفسه أكثر منه في أي وقت مضى. ويأتي هذا الانقسام علامة على انضمام لبنان فعلياً الى المشرق العربي، لناحية الانهيار الاجتماعي والتراجع السياسي، فسوريا الجارة تحولت الى حطام دولة ومجتمع، واسرائيل غارقة في سياساتها المتناقضة بين انفتاح على الاقليم بمزيد من العلاقات الديبلوماسية والتجارية، وتراجع في السياسة الداخلية، خصوصاً التعامل مع الفلسطينيين في أراضي ١٩٤٨ والضفة وغزة، لمصلحة التشكيلات السياسية الاسرائيلية الأكثر تعصباً وعدوانية.

لبنان اليوم لبنانان، بل أكثر، بلا لبنان.

لبنان البيوت المهدمة. السلاح. الذاكرة المحترقة. تجار العملة. التجار الصغار والتجار الكبار. غياب قيم العلم والعمل. الغباء والاستغباء. الفرد المهان والجماعة المهانة. السجن في الخطب المتكررة. مراكز الطوائف لدراسات الطوائف. موت الحقيقة الفرد وحياة الجماعة الوهم.

لبنان المطرود الى الماضي المتوهم. المطرود الى ترجماته المتعددة. لعبة الأمم ولعبة شعبه. لبنان شعبه اللعبة. البطولات التي تمحى. بطولات البدء من الصفر الآخرين.

لبنان المدارس بلا أعلام. الصور العابسة والصور الضاحكة. لبنان الأولاد لا يفهمونه. وطن بلا قوام.

ويبقى السؤال: كيف ينام السياسيون اللبنانيون؟

ربما يقتضي الأمر أن يخنقوا ضمائرهم، بالمخدرات أو بالمال الحرام.

شارك المقال