كيف ينسجم “حزب الله” مع ترميم الرياض وطهران علاقتهما؟

وليد شقير
وليد شقير

إذا صحت الأنباء عن أن العلاقات السعودية – الإيرانية تتجه إلى التحسن في مرحلة قريبة، كما قال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في حديث صحافي أمس، بعد الجولة الخامسة من المفاوضات في بغداد الأسبوع الماضي، فإن تغييرات ستطرأ على المشهد الإقليمي تدريجاً، لا بد للقوى السياسية من أن تأخذها في الحسبان، على الرغم من انشغالها بالانتخابات النيابية.

وأهمية حديث الآمال بتحسن العلاقات بين الرياض وطهران هذه المرة أنه يصدر عن الجهة الوسيطة، المحايدة أي الجانب العراقي وليس عن الفريقين المتخاصمين وخصوصاً الجانب الإيراني، الذي يلجأ إلى المناورة الإعلامية كما كان يفعل بعد الجولات السابقة بالحديث عن إيجابيات وتقدم، بالتزامن مع إيعازه الى الحوثيين بقصف الأراضي السعودية.

قد لا يكون لبنان أول الدول التي سينعكس عليها التقدم في العلاقات السعودية – الإيرانية، والتي من الطبيعي أن تسلك مساراً متدرجاً، يبدأ بإعادة العلاقات الديبلوماسية، لأن الأمر يرتبط بالدرجة الأولى باليمن، كأولوية من أولويات وقف التدخل الإيراني للحؤول دون إنجاح أي مبادرة تطلقها الأمم المتحدة أو السعودية من أجل الحل السياسي. والأرجح أن التقدم المتدرج الذي يمكن افتراضه في مسار العلاقات سيشمل في مرحلة لاحقة ترتيب أوضاع اليمن، وعلى مراحل أيضاً، بعد إعادة العلاقات الديبلوماسة.

وإذا أخذ مسار ترجمة التحسن في العلاقات طريقه الطبيعي، فإن أبرز نتيجة يفترض أن تترجمها أحوال اليمن الذي أخذ يسلك مساراً يسمح بخطوات على طريق الحلول السياسية، في حال صمدت الهدنة التي تم التوصل إليها منذ 3 أسابيع والتي أعلنها التحالف العربي لدعم الشرعية، على أن يكون مداها الزمني شهرين. فهذا الإعلان جاء متزامناً مع رعاية السعودية للتغييرات التي تقررت في مشاورات الرياض بين مختلف القوى السياسية اليمنية، بتسليم الرئيس عبد ربه منصور هادي صلاحياته للمجلس الرئاسي، بحيث تبطُلُ حجة الحوثيين بأن الرئيس اليمني غير شرعي. وعلى الرغم من خروق الحوثيين المتواصلة لهذه الهدنة، فإن التطور الطبيعي للمبادرات السعودية يوحي بأن هناك قراراً اتخذ بالسعي الجدي من أجل الحل السياسي. فممارسات الحوثيين وحدت العالم ضدهم، إلى درجة أن روسيا وأميركا باتتا تعتبران أن ما يقومون به “إرهاباً”، مع أن الدولتين العظميين تخوضان مواجهة عسكرية خطيرة في أوكرانيا.

وإذا كانت أولى نتائج تحسن العلاقات بين الجانبين السعودي والإيراني أنه لم يعد في مقدور طهران أن تطلب من الرياض أن تتحدث إلى الحوثيين، إذا كانت تريد وقف الحرب في اليمن، على جري عادتها في التهرب من تحمل مسؤولية إدارة هذه الحرب التي يخوضها “أنصار الله” بالنيابة عنها في اليمن وضد المملكة، فإن أولى النتائج السياسية المتعلقة بلبنان هي أيضاً الإقلاع عن الطلب من الجانب السعودي أن يتحدث مع “حزب الله” في الشأن اليمني، باعتباره يتولى جزءاً من لعبة القط والفأر التي يلعبها “حرس الثورة” في إيران لتنفيذ خططه بافتعال الحروب والصراعات.

وبمعنى آخر، قد يزيح تحسن العلاقات السعودية – الإيرانية، وانعكاسه إيجاباً في اليمن، عن ظهر “حزب الله” مهمة تدريب الحوثيين وتوجيههم سياسياً وعسكرياً. وقد يزيح هذا التحسن حِملَ الهجوم السياسي والإعلامي المفتعل الذي يتولاه الحزب منذ سنوات بالنيابة عن راعيه الإيراني، عن أكتافه، خصوصاً أنه يدفع ثمنه المزيد من التصعيد والرفض لسلاحه ولانخراطه في مواجهة مع دول الخليج بالنيابة عن إيران، بين الفرقاء اللبنانيين، إلى درجة اتهامه بأنه يمثل احتلالاً إيرانياً للبلد، أخذ يزعجه ويدفعه إلى تخصيص وقت لنفي هذه التهمة في مطالعات قادته من أجل التأكيد على عروبة الحزب… أي أن التهدئة والسعي الى الحلول في اليمن نتيجة تحسن العلاقات بين طهران والرياض، ستكون أولى نتائجهما على الصعيد اللبناني، خفض الحزب صراخه ضد المملكة، بعدما بات عليه أن يتهيأ لمواءمة خطابه السياسي حيال دول الخليج، مع التحسن المفترض في علاقات الدولتين. لكن الأمر قد يأخذ بعض الوقت، بعد المدى الذي ذهب إليه في التحريض على هذه الدول، إذ عليه أن يعود من مسافة بعيدة جداً قطعها في مناصبتها العداء.

في هذا السياق يلفت بعض المراقبين إلى أن الأمين العام السيد حسن نصر الله اضطر في خطابه قبل الأخير في 11 نيسان، إلى نفي مطالبته بإسقاط الأنظمة الخليجية بقوله: “لا ‏أحد كان يطالب لا بإسقاط المملكة العربية السعودية ولا بتغيير النظام ولا بسحق الجيش ‏السعودي”، وهو بذلك يتراجع عن هجوم شنه على المملكة متوعداً العائلة المالكة فيها بالويل والثبور، في خطب عدة ألقاها على مدى السنوات الماضية، لم يوفر فيها حكاماً آخرين في دول الخليج.

لكن من انعكاسات التحولات المفترضة على الصعيد الإقليمي أن الحزب يخشى أن تؤدي التسويات الإقليمية التي يمكن أن تأخذ مداها إلى تفاهمات على عودته إلى لعب دوره الطبيعي كحزب سياسي في البلد وهو لذلك يجهد من أجل أن يحصل على الأكثرية مجدداً، في الانتخابات النيابية لحماية ما حققه من مكاسب خلال رئاسة العماد ميشال عون للجمهورية، ومن أجل الاحتفاظ بسطوته على القرار السياسي في البلد.

شارك المقال