هذه هي أسباب هلع باسيل من أصوات المغتربين

جورج حايك
جورج حايك

يعيش رئيس “التيار الوطني الحر” حالة هلع من أصوات المغتربين اللبنانيين في الانتخابات المقبلة، وبات واضحاً أنه لم يوفّر فرصة لكبح اندفاعة هؤلاء عبر خلق عراقيل مغلّفة بأشكال قوانين وقرارات وزارية، لعلمه أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع شعبية تياره في لبنان والخارج، مما يبرر هذه العراقيل المتتالية لتطويق الصوت المغترب وتشتيته في الاستحقاق الانتخابي.

من ينظر إلى المشهد الانتخابي على نحو بانورامي يرى أن الناخبين اللبنانيين أمام معركة مصيرية ووجودية حول “أي لبنان نريد”: لبنان مشروع الدولة الفعلية التي تمتلك قرار الحرب والسلم والحياد والاستقرار والخروج من الانهيار والانفتاح على المجتمعين الدولي والعربي وعودة الازدهار، أو لبنان المقاومة والممانعة وخدمة مشروع ايران والمشاركة في حروب المنطقة والفقر والحرمان والفساد والذل والانهيار الاقتصادي والعزلة الدولية.

من الطبيعي أن تكون أكثرية الشعب اللبناني مع الخيار الأول، هذا هو المنطق الايجابي، فالإنسان يميل إلى ثقافة الحياة والسلام، ما عدا بعض الفئات العقائدية والمذهبية أو الانتفاعية التي ترى في الحروب والمشاريع التخريبية والفساد نهجاً للتوسّع والتمدد.

لذلك ليس مستغرباً أن يعيش فريق السلطة المتمثّل بـ”حزب الله” و”التيار الوطني الحر” قلقاً عند كل استحقاق انتخابي، فيبتدع وسائل للعرقلة مستغلاً سيطرته على الحكم أو من خلال الترغيب والترهيب. وأكثر ما يقلق هذا الفريق هو الصوت الاغترابي الذي يعتبر حراً وبعيد المنال عن الترهيب والتهديد، ويمكنه أن يقلب نتائج الانتخابات رأساً إلى عقب، لذلك لم يوفّر باسيل وسيلة تمنع مشاركة مريحة للمغتربين.

في البداية، لا بد من عرض المعلومات الأولية عن الناخبين المغتربين، إذ تسجّل أولاً في السفارات والقنصليات اللبنانية في الخارج ما لا يقل عن 244 ألفاً و442 ناخباً، إلا أن العدد تراجع إلى 225 ألفاً و114 ناخباً بعد إتمام تنقيح اللوائح واستبعاد من لا تتوافر فيهم الشروط القانونية للمشاركة في الانتخابات النيابية.

تجرى الانتخابات خارج لبنان يومي الجمعة 6 أيار والأحد 8 أيار بحسب مصادفة يوم العطلة الرسمية في “دول الاقتراع”، أي سيتم الاقتراع في 9 دول عربية وإيران يوم الجمعة، وفي 47 دولة غربية وأفريقية يوم الأحد، وألغي الاقتراع في أوكرانيا بسبب الحرب فيها.

وبحسب ما جرى في انتخابات 2018، فإن صناديق الاقتراع يفترض أن تنقل عبر شركة شحن DHL، إلى الخارج للاقتراع ومن ثم إلى لبنان، بإشراف وزارة الخارجية ومديرية المغتربين فيها، على أن تشق طريقها بحماية أمنية الى المصرف المركزي في بيروت ولا تُفتح إلا في نهاية يوم الانتخابات في 15 أيار، لتُفرز مع النتائج العامة للدوائر الـ15 في لبنان.

وبحسب “الدولية للمعلومات” ينتشر المغتربون اللبنانيون في أوروبا في الدرجة الأولى بـ 69,374 صوتاً، أي ما يشكّل 30.82%، ثمّ آسيا والدول العربية في المرتبة الثانية بـ 56,939 صوتاً (25.29%)، تلتهما أميركا الشمالية بـ 56,578 صوتاً (25.13%). أمّا بخصوص الأعداد والنسب وفقاً للدول فقد حلّت فرنسا في المرتبة الأولى (28,083)، تلتها الولايات المتحدة الأميركية (27,925)، ثمّ كندا (27,413).

أمّا بالنسبة إلى الناخبين المسجّلين غير المقيمين وفقاً للطوائف، فحلّت الطائفة المارونية في المرتبة الأولى بـ 74,076 ناخباً، أو ما نسبته 32.91%، تلتها الطائفة السنّيّة بـ 45,815 (20.35%)، ثمّ الطائفة الشيعية بـ 44,967، أو ما نسبته %19.98.

وللاضاءة على الثقل الاغترابي بحسب الدوائر اللبنانية، تشير الأرقام إلى أنّ العدد الأكبر من المغتربين موجود في دائرة الشمال الثالثة حيث بلغوا 26,682، وفي الشوف وعاليه حيث قاربوا 25,445. إلا أنّ الثقل الحقيقي، وفق اعتبارات الحاصل، هو في بيروت الأولى التي تضمّ 9,668 مغترباً. فإذا كان الحاصل الانتخابي في دائرة الشمال الثالثة 11 أو 12 ألفاً، فإنّه في بيروت الأولى يبلغ 5,500، وهو ما يعني أنّ المسجّلين من المغتربين، في حال اقتراعهم جميعاً، سيشكّلون ما يقارب حاصلين، أي أنّ الـ10 آلاف في بيروت أكبر من الـ26 ألفاً في الشمال أو الشوف وعاليه، الأمر الذي يمكن أن نسمّيه تحوّلاً جديداً.

لا شك في أن جبران باسيل و”حزب الله” لمسا لمس اليد أن الصوت الاغترابي لا يؤيد مشروعهما بل منحاه معارض لهما ويحمّلهما مسؤولية ما حصل في لبنان منذ بداية عهد ميشال عون والانهيار الاقتصادي والعزلة الدولية، لذلك يشعران أن هذا الصوت سيكون عقابياً لهما وسيذهب لخصومهما وخصوصاً “القوات اللبنانية” والقوى الثوروية التغييرية. وهؤلاء المغتربون مطلعون من أهاليهم في لبنان على واقع الحال، وبعضهم هاجر منذ ستة أعوام بسبب هذه السلطة الفاسدة، لذلك ينتظرون بفارغ الصبر مشاركتهم في الانتخابات لقول كلمتهم الفاصلة ومساعدة اللبنانيين المقيمين للخروج من هذا الواقع الكارثي الذي سببه باسيل و”حزب الله”.

وهذا ما يبرر هلع باسيل و”الحزب” وعملهما الدؤوب لكبح انتقام المغتربين الذين يبدون متناغمين مع رؤية المجتمع الدولي للبنان، وخصوصاً أنهم يعيشون في دول عصرية ومستقرة ومزدهرة ويعرفون ما يحتاج إليه لبنان وهم في منأى عن تأثير ترهيب الثنائي الشيعي وتضليل باسيل!.

إذاً ماذا فعل باسيل منذ بداية التحضير للانتخابات اغترابياً؟

حاول باسيل فرض الدائرة 16 على تمثيل المغتربين لحصر تصويتهم ضمن حيز ضيّق لا يتجاوز 6 مقاعد قارية لا تقدم ولا تؤخر في تغيير موازين القوى النيابية، والهدف سحب تأثير الصوت الاغترابي على نتائج الانتخابات، وشطبه بالتالي من المعادلة البرلمانية. لكن أكثرية المجلس النيابي عارضت الدائرة 16.

لم يستسلم باسيل، وذهب بالقانون إلى الطعن لدى المجلس الدستوري، إلا أنه بعد فترة دراسة رفض الطعن، فتفاعلت المخاوف من احتمالات تطيير اقتراع المغتربين، حين جرى الكلام عن نقص في المواد اللوجيستية اللازمة لعملية الاقتراع، ثم موضوع الكلفة المالية للعملية التي تحدّثت عنها وزارة الخارجية التي يديرها باسيل بجهاز التحكّم.

عندما وجد باسيل أن طريق الطعن مقفلة وأن المغتربين سيشاركون في التصويت لـ128 نائباً، لجأ إلى وزارة الخارجية وراح يبحث عن أفكار تقيّد حقّ المغتربين بالاقتراع وعملية تصويتهم من خلال إجراءات جائرة وخارجة عن القانون، سواءً من خلال تشتيت أصوات المنطقة الواحدة والقرية الواحدة والعائلة الواحدة على عدّة أقلام اقتراع تبعد عن بعضها مسافات كبيرة، مما يصعّب عملية الاقتراع، أو عبر تمنّعها عن تسليم قوائم الناخبين لأصحاب العلاقة مما يمنعهم من معرفة عدد المندوبين المطلوبين لكل مركز من مراكز الاقتراع، وصولاً إلى ابتداع طرق جديدة لاعتماد مندوبي المرشحين في أقلام الاقتراع الاغترابية بشكل يجعل توكيلهم من قبل المرشحين عملاً شاقاً إن لم يكن مستحيلاً!

في المقابل، واجهت “القوات اللبنانية” المستهدفة من باسيل عبر طلب طرح الثقة بوزير الخارجية، وقامت بحملات مركزة ضد أداء “التيار” وباسيل في الإغتراب منذ الطعن، وصولاً إلى حملة ديبلوماسية مع المجتمع الدولي والسفراء في لبنان لاطلاعهم على حقيقة ما يحصل في الخارج، وأخيراً طرح الثقة. وقد تفاعلت هذه الاعتراضات لدى الإتحاد الإوروبي الذي من المفترض أن تراقب بعثته الخاصة الإنتخابات، ونقل إعتراضاته إلى السلطات اللبنانية المعنية.

أصر باسيل وعبدالله بو حبيب على عدم المبادرة إلى إصلاح الأخطاء الحاصلة في أقلام المغتربين، وتحت تأثير فقدان النصاب القانوني اللازم لانعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب في “الأونيسكو”، ألغى الرئيس نبيه بري الجلسة التي كان مقرراً عقدها للنظر في طرح الثقة بوزير الخارجية كسيناريو متفق عليه بين أحزاب السلطة، ليبقى الخلل المتعمد في إدارة وزارة الخارجية عملية اقتراع المغتربين على حاله بانتظار أن يلقى مفاعيله السلبية على مستوى إقبال الناخبين على ممارسة حقهم في التصويت.

واللافت أن “حزب الله” حليف باسيل، اعترف علناً وصراحة، بأن انتخاب المغتربين يزعجه في الصميم، وذلك بسبب عدم قدرته على القيام بجولات وحملات انتخابية، وعدم قدرة مناصريه على التصويت تحت عامل الرصد والمراقبة.

أما باسيل فيتعاطى بازدواجية مع موضوع انتخاب المغتربين، فمن جهة، يطالب بإشراكهم في الانتخابات النيابية، وهو موقف صحيح ومحق وعادل، لكنه من جهة ثانية، ساعة يعمل على حصر تمثيلهم بستة نواب، وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وساعة يعرقل عملية اقتراعهم والهدف قطع الطريق أمام معارضيه ليحصدوا أعلى نسبة تصويت في الاغتراب. ولا يغيب عن باله دائرة الشمال الثالثة حيث يترشّح للانتخابات، وهو يعرف أن الصوت الاغترابي الوازن في هذه الدائرة قد يؤدي إلى خسارته، لذلك يحاول التعويض في البترون من خلال مبدأ الزبائنية، القائم على الخدمات ذات المنفعة الشخصية والعائلية!

لم يستلم باسيل وزارة إلا وقام بتسخيرها من أجل مصالحه، من صفقات وزارة الطاقة وبواخرها، إلى التوظيف العشوائي في الاتصالات، وصولاً إلى وزارة الخارجية وتحويلها إلى مغارة تعج بالسفراء المستزلمين الذين يحاولون تشتيت أصوات المغتربين في الانتخابات النيابية!

شارك المقال