عن سعد الحريري وأعدقائه… يرضى “القتيل” ولا يرضى “القاتل”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

على الرغم من إعلانه تعليق نشاطه السياسي في كانون الثاني الماضي، وبالتالي عزوفه وتيار “المستقبل” عن خوض الانتخابات النيابية المقررة هذا الشهر، وغيابه جسدياً عن الساحة السياسية ولبنان، إلا أن سعد الحريري بقي مالئ الدنيا وشاغل الناس، وبالأخص منهم من يمكن أن يطلق عليهم “أعدقاء” الذين لم يفوِّتوا مناسبة منذ العام 2017 إلا وصوّبوا سهامهم فيها على سعد الحريري وخياراته، على الرغم من أن غالبيتهم كانت شريكة له في بعض هذه الخيارات، بل وكان البعض منهم يشكل جزءاً مهماً من فريقه الوزاري والنيابي والسياسي، إذ لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع تصريحات ونقرأ تغريدات ومقالات تنشر على بعض المواقع الالكترونية، تحمِّل سعد الحريري عواقب ما قد تسفر عنه نتيجة الإنتخابات في حال قاطع أنصاره عملية الإقتراع بشكل يذكر بالقول الشائع “يرضى القتيل ولا يرضى القاتل”، وفي عملية “تنمر” لا سابق لها اللهم إلا ما كان يحصل مع والده الشهيد من ضغوط نفسية ومعنوية، إبان الأزمات السياسية برعاية أركان عهد الوصاية السوري، وبالأخص عهد إميل لحود.

يتألف هؤلاء “الأعدقاء” في الواقع من عدة أطراف وشخصيات سياسية مختلفة لا يجمع بينها سوى “العداء” السياسي لسعد الحريري للأسف بذريعة فشل خياراته السياسية، هذا “الفشل” الذي لم يلمسوه ويتنبهوا له على ما يبدو إلا بعد أزمة “الإستقالة” من الرياض فيما عرف بعدها بأزمة 2017. هذه الأطراف منها من هو من داخل البيت العائلي كبهاء الحريري، ومنها من هو إبن البيئة السياسية والمذهبية لسعد الحريري، كأشرف ريفي ونهاد المشنوق وغيرهما، ومنها من كان حليفاً أيام العصر الذهبي لقوى 14 آذار كـ”القوات اللبنانية”، وبعض الشخصيات المسيحية كفارس سعيد وغيره من الذين يحمّلونه مسؤولية إنتخاب ميشال عون رئيساً، ناسين أو متناسين أنه ما لجأ الى هذا الخيار إلا بعد إتفاق معراب بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وتبني “القوات” ترشيح عون نكاية بسعد الحريري وترشيحه سليمان فرنجية وقتها. ومع ذلك، فقد نال سعد الحريري الكثير من التقريع والإنتقادات بسبب التسوية الرئاسية، وتحمل الرجل مسؤولياته واعترف بأن الصواب قد جانبه في بعض الخيارات التي ما سار بها إلا بهدف تنفيس الإحتقان ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد. إجتهد الرجل فأخطأ واستقال، فيما يستمر غيره بالمكابرة وبأنه لو عاد به الزمن لفعل الشيء نفسه.

اليوم والإنتخابات باتت على الأبواب، والكل يبدي حرصه وخشيته على الدور السني في البلد في ظل عزوف سعد الحريري، لا بد لنا أن نسأل من طرحوا أنفسهم يوماً ما “أسُود السُنة” في لبنان، وانخرطوا في حملة ممنهجة ضد سعد الحريري أين أنتم اليوم، وما هو مشروعكم البديل؟ ها هي الساحة قد أخليت لكم، فماذا أنتم فاعلون؟ منكم من إنكفأ وكأنه أدى قسطه للعلى بعد عزوف سعد الحريري، ومنكم من بات ملحقاً بغيره يبحث عن فتات المناصب. لقد أثبتت الأيام والأحداث أن الهدف من تصويبكم على سعد الحريري لم يكن الإصلاح ولا تصويب المسيرة بقدر ما كان إزاحته من الصورة لغاية في نفس “يعقوب” المجهول – المعلوم، والدليل أن الرجل إستقال بعد حراك 17 تشرين وتخلى عن التسوية وطالب بتصحيح المسار السياسي والدستوري في البلد، وبدلاً من الوقوف معه لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، واصلتم التصويب عليه دون غيره وتناسيتم من تعتبرونه عدوكم وهو “حزب الله” الذي لم ينله منكم ما نال سعد الحريري من الطعنات. هذا الأمر ينطبق على غالبيتكم، سواء منكم من أعلن “إنتهاء” دور سعد الحريري منذ ما قبل التسوية الرئاسية كأشرف ريفي، أو من خرج على سعد الحريري بمجرد خروجه من جنة الوزارة وأطلق موقعاً إلكترونياً بدا وكأنه “إعلام حربي” موجه خصيصاً ضده عبر إتهامه من قبل أحد الكتاب بأنه “أخرج السُنّة من المعادلة الوطنية”، في حين أبدى آخر خشيته من أن يصبح السُنة في عهد سعد الحريري “ماسحي أحذية في لبنان”، كما ذهب آخرون حد إتهامه بتسليم البلد لـ “حزب الله” وإضعاف أهل السُنة والجماعة فيه، وذلك من دون الأخذ في الإعتبار الظروف الموضوعية التي تمر بها المنطقة العربية التي تعتبر الخزان الإستراتيجي لأهل السُنة والعروبة في لبنان، الذين حاول سعد الحريري قدر إمكاناته حمايتهم مع غيرهم من اللبنانيين من مصير إخوانهم في الدول الأخرى المجاورة بغض النظر عن صوابية خياراته ومدى نجاحها.

أما بهاء الحريري الذي جاء يضخ المال في الإعلام لتصفية حسابات شخصية – ربما – مع شقيقه طمعاً بوراثته وعبر ركوب موجة الثورة لمحاولة تأسيس “بهائية سياسية”، فقد فاته أن ليس بالإعلام وحده تبنى الزعامات والتيارات، والسياسة لا تمارس مع “القوم” على طريقة “الدليفري”، وبناء الشخصية المعنوية والكاريزماتية لا يصنعها مستشار إعلامي أرعن يعمل هو الآخر عن بُعد وبالطريقة نفسها التي يبدو أنه لا يتقن غيرها، وأن مسيرة سعد الحريري – بكل حالاتها – طوال خمسة عشر عاماً من الجهد والصبر والمثابرة، وكذلك المعارك السياسية التي خاضها والمجبولة بالدم والدموع، لن يمحوها موقع إخباري من هنا أو برنامج تلفزيوني من هناك، وهذا ما بدا واضحاً من فشل تحركه وعدم تقبل الناس له، وحسناً فعل بإنكفائه ولو متأخراً.

تتباكون اليوم على لبنان وأهل السُنة فيه، وتتهمون سعد الحريري بتسليم البلد عبر تعليق نشاطه السياسي إلى “حزب الله”، وهي التهمة نفسها التي إتهمتموه بها من قبل. تنكرون عليه حقه في ممارسة قناعاته، ومن ثم تحمّلونه مسؤولية المقاطعة إن حصلت. تريدون من سعد الحريري أن يخوض معارككم، وأن يبقى المتراس الذي تتحصنون خلفه لتطعنوه، وهو لم يعد يجد نفسه في هذا الدور. جعلتم منه “ساذجاً” عندما كان يتحدث عن أم الصبي، وها أنتم اليوم “تخافون” على الصبي وتتهمون أمه بتسليمه للآخر. كفى مكابرة، كلكم مسؤولون مع سعد الحريري عما وصلت إليه أحوال السُنة وأهل العروبة في لبنان، مسؤولون بسلبيتكم التي لا تعرف سوى التجريح من دون أن تطرح بدائل معقولة وواقعية. مسؤولون بصمتكم عن ظلم القريب والبعيد لسعد الحريري لأسباب قد لا تكون لها علاقة بلبنان وسياسته،. نسيتم أن صديقك من صَدَقك لا من صدَّقك وتَمَلّقك، حمَّلتم سعد الحريري مسؤولية خطأ سياساته وهذا طبيعي، وتريدون اليوم تحميله مسؤولية تخاذلكم وضعفكم وهذا غير طبيعي، فليتحمل كل منكم مسؤوليته أمام الناس والتاريخ. وبغض النظر عن صواب أو خطأ خيار سعد الحريري بتعليق العمل السياسي في الفترة الحالية، وعزوفه عن المشاركة في الإنتخابات، وبغض النظر عن رأي كل منا الشخصي بهذا القرار، إلا أنه يبقى قراره وخياره الذي له كامل الحق في إتخاذه، وليس من المنطق أو العدل الطلب إليه تجيير أصوات مؤيديه لغيره ممن ساهم في الوصول بالبلد ومنذ العام 2008 عبر سياساته ومناكفاته وخضوعه للمزايدات الطائفية داخل طائفته، وإعتماد التكتيك السياسي بديلاً من الإستراتيجية الوطنية طريقاً له في صراعه على الزعامة ضمن الطائفة التي ينتمي إليها، وها هو اليوم يحاول الظهور بمظهر القديس الطوباوي، وعلى هذا الآخر محاولة إقناع هؤلاء المؤيدين بصدق نواياه وخياراته إن إستطاع، وإلا فلتتوقف أبواقه عن بث السموم والتحريض، وإملاء المواقف على سعد الحريري وكأن هذا الأخير ومؤيديه هم من القُصَّر الذين يحتاجون إلى النصح، وكأنه هو المرشد والولي الفقيه وهي الصورة التي يتمناها لنفسه، والدور الذي يبدو أنه يسعى إليه في مواجهة المرشد الآخر في المقلب الثاني من المعادلة السياسية اللبنانية، ليفرض نفسه رقماً صعباً في المعادلة إذا ما جد جديد في الحراك الإقليمي سلباً أو إيجاباً. فهنيئاً له هذه الصورة وهذا الدور، ولكن فليسدد ثمن هذا الدور من كيسه هو، وليس من وعلى حساب الآخرين سمعة ودوراً وزعامة كلفت الكثير من التضحيات الشخصية والعامة، دماً ودموعاً وجهداً ومالاً، ولن تسمح لأحد بتجييرها لنفسه كائناً من كان، هذه التضحيات بذلت من أجل لبنان ولن تكون إلا في سبيل لبنان.

شارك المقال