انتخابات مخطوفة بالمشاركة أو المقاطعة

الدوري
الدوري

المقاطعة مثل المشاركة في الانتخابات هي قرار وخيار سياسي، طالما ليس منصوصاً بالدستور على تحريم عدم الاقتراع وتغريم المقاطع، وبالتالي حق التصويت يوازي في لحظة سياسية ما حق الامتناع، لا بل أن الامتناع يصبح أشد وقعاً عند رغبة التعبير عما يتعدى الاحتجاج على ظرف سياسي ما الى إشهار اليأس من المنظومة السياسية بكاملها.

والانتخابات مكون أساسي في اللعبة الديموقراطية، يجب الحفاظ على ديمومته، شكلاً أحياناً، لتأمين استمراريته، بأمل أن يترسخ مضمونه فيصير محطة فاصلة تمكّن المواطن من المحاسبة، لتجديد دم الحياة السياسية، أو المكافأة، لترسيخ الواقع وتشريعه بكل هيكلياته.

صندوقة الاقتراع هي النجم بالضرورة، تتجمع فيها الأصوات تمهيداً لفرزها وترتيب الفائزين. لكن الأهم دائماً هي نسبة المشاركة في التصويت، التي تؤسس لنسبة الشرعية الانتخابية للفائز الذي سيحكم لاحقاً.

الحكي هنا عن نظام ديموقراطي طبيعي. الصوت فيه يؤدي فعلاً الى خيار سياسي واضح، تحت سقف قانون انتخابي يؤمن عدالة الإختيار بالمساواة بين المواطنين الناخبين.

أما لبنان فحالة شاذة تماماً، بين قوى طائفية ومذهبية وديموقراطية توافقية ميثاقية وحواصل وأصوات تفضيلية… تضيع جدوى العملية الانتخابية جراء الاختلال في ميزان القوى على الأرض، جراء سلاح غير شرعي واقتصاد غير شرعي وثقافة رديفة، ما أفقد الدولة ومؤسساتها مناعتها الوطنية في مواجهة الدويلة الشرسة.

ويعرف اللبنانيون جيداً، وبالتجارب المريرة الكثيرة، أن الانتخابات لا تغيّر شيئاً في واقعهم، إذ يمتلك طرف القوة لشطب مفاعيل الخيارات الانتخابية حين تتعارض مع مصلحته المرسومة وفقاً لحسابات خارجية.

وانتخابات 15 أيار هي الأكثر شذوذاً في التجربة الديموقرطية اللبنانية، بدليل قوة الدعوة الى المقاطعة، وليس بالورقة البيضاء التي تفيد في زيادة المشاركة وبالتالي شرعية النتائج، بسبب الخلل الفاضح في القانون الانتخابي، بل بالصوت المكتوم خارج صندوقة الاقتراع باعتباره الوسيلة الوحيدة لتأمين الحاصل الفعلي ضد المنظومة ككل.

المقاطعة حق سياسي مثل المشاركة، خصوصاً إذا كانت مسنودة الى تجارب عديدة استندت الى فوز انتخابي وانتهت بتسويات الزامية وخيبات مكلفة جداً.

والرئيس سعد الحريري قدم في خطاب العزوف مطالعة سياسية لأسباب قراره. فهو قال: “ما لا يمكنني تحمله هو أن يكون عدد من اللبنانيين الذين لا أرى من موجب لبقائي في السياسة سوى لخدمتهم، باتوا يعتبرونني أحد أركان السلطة التي تسببت بالكارثة والمانعة لأي تمثيل سياسي جديد من شأنه أن ينتج حلولاً لبلدنا وشعبنا”.

وقال الحريري أيضاً: “من باب تحمل المسؤولية، كنت الوحيد الذي استجاب لثورة 17 تشرين 2019 فقدمت استقالة حكومتي. وكنت الوحيد الذي حاول بعد كارثة 4 آب في بيروت تغيير طريقة العمل عبر حكومة من الاختصاصيين. واللبنانيون يعرفون في الحالتين ما كانت النتيجة، وهم يتكبدون من لحمهم الحي كلفة الانكار”.

المسألة هنا ما عادت رهناً بعدد مقاعد هذا الطرف أو ذاك. انها انتخابات في قطار مخطوف ليس مهماً من يجلس في داخله أو يسير بين مقطوراته، طالما أن الخاطف قادر بالقوة على أخذه في الاتجاه الذي يريد.

ثمة من يقاطع، لأنه لا يريد أن يستقل هذا القطار أساساً.

شارك المقال