رزق لـ “لبنان الكبير”: الانهيار سببه الأولويات الوصولية لأهل الحكم

هيام طوق
هيام طوق

شدد الوزير والنائب السابق إدمون رزق على أن “المطلوب اليوم تنفيذ الدستور والتزام مبادئ الوفاق الوطني واتفاق الطائف، وهذا يحتاج الى مسؤولين مؤهلين للمسؤولية وليس الى أولياء أمر فقط”، معتبراً أن “المطلوب التركيز على الأهلية بمعزل عن الانتماء الطائفي. فالمحاصصة الطائفية موضوع بازار متخلف يؤدي دائماً الى سوء التصرف، والاتيان بغير المؤهلين. يجب التركيز على الأهلية وإخضاع كل مرشح لحمل مسؤولية عامة، الى التدقيق والتأكد من أهليته لتولي المنصب”.

ورأى “أننا وصلنا الى ما نحن عليه بسبب وجود أولويات وصولية عند أهل الحكم بدلاً من أن تكون لديهم أولويات إنقاذية واصلاحية وتقدمية للبلد. كل التركيز في لعبة الحكم على الحصة والكسب الشخصي بدلاً من أن يكون على الفكر والأهلية”، معرباً عن خشيته من “الاستمرار في تجاهل الواقع والتعامي عن الحقائق فنضيّع فرص التعافي والانقاذ، وكل ذلك يجب أن يبدأ بالمحاسبة في صناديق الاقتراع اذ لا تجوز مكافأة الفاشلين بل معاقبتهم”.

وقال رزق في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “استنفد اللبنانيون كل المؤتمرات ولا خلاص لهم الا بتطبيق دستورهم وما اتفقوا عليه سابقاً. اما العودة كل مرة الى طرح الموضوع من دون تنفيذ الاتفاقات السابقة، فهذا تضييع للوقت ونوع من الانتحار. حصل اتفاق الطائف ووضعت وثيقة الاتفاق الوطني وجرى تعديل الدستور بموجبها. المطلوب تنفيذ الدستور والتزام مبادئ الوفاق الوطني، وهذا يحتاج الى مسؤولين مؤهلين للمسؤولية وليس الى أولياء أمر فقط. المستشفى يتطلب أطباء، والجريدة تتطلب كتاباً، والعدالة تُسلم الى قاض وليس الى مجرم. وبالتالي، لا يجوز أن تقوم الجمهورية من دون أناس مؤهلين للحكم”.

وفضّل عدم الدخول في متاهة أسماء المؤهلين لرئاسة الجمهورية “لكن المهم مواصفات رئيس الجمهورية التي يجب أن تبدأ بالعلم والمعرفة وتتأكد بالارادة والقدرة”، معرباً عن أسفه لأن “الرئاسة لا تزال موضع بازارات ونتيجة أمر واقع يعاني منه لبنان ويتخبط في متاهات بعيدة عن خلاصه. يفتشون عن الرؤساء في قائمة البازار المصلحي، الشخصي والفئوي”.

أضاف: “مسألة رئاسة الجمهورية تتعلق بمرجعيات الضمير الوطني وليس بمرجعيات طائفية أو مذهبية. المطلوب التركيز على الأهلية بمعزل عن الانتماء الطائفي. ومنذ الخمسينيات دعوت ولا أزال الى تخطي المذهبية والطائفية واعتماد النظام الديموقراطي القائم على الخيارات الفكرية والاخلاقية والوطنية. المحاصصة الطائفية موضوع بازار متخلف يؤدي دائماً الى سوء التصرف، والاتيان بغير المؤهلين. يجب التركيز على الأهلية وإخضاع كل مرشح لحمل مسؤولية عامة الى التدقيق والتأكد من أهليته لتولي المنصب”.

ورأى أن “كل مسؤول ومن دون انتقاص من أحد يجب أن تتوافر فيه المعرفة والارادة اذ لا يكفي أن تكون لديه معرفة من دون عزيمة. هناك قول لأحد المفكرين العرب: العمل بدون علم لا يكون والعلم بدون عمل جنون”.

وقال: “أنا مع حكومة تتمتع بالكفاءة وبالأهليتين المهنية والأخلاقية لأن التوصيفات العامة هي نوع من التعمية أما الفاعلية فهي للكفاءة الشخصية والأهلية الأخلاقية. لا يجوز التلهي بالمتاهات التنظيرية لأن التنظير نوع من الهروب أما التفعيل فهو وضع الاصبع على الجرح والاتيان بالشخص المناسب في المكان المناسب”. ودعا الى “الكف عن استخدام الشعارات الزائفة والمضللة من أمثال توصيف أشخاص أو عهود بعبارات كرتونية”، موضحاً أنه “اذا كنا نتوخى العلم فله مواصفات، والقوة تفترض توافر شروط. ليس هناك في الأنظمة الديموقراطية من قوة زنود انما قوة فكر وصراع عقول، وهذا غير متوافر حالياً للأسف”.

وأكد أن “المسؤولية الطبيعية الملقاة على ضمير كل حاكم وكل من يتولى الشأن العام تفترض توافر عاملين: الأول، الأهلية الشخصية لتولي المهمة. والثاني، الضمير المهني الذي يرعى تولي هذه المسؤولية. بدون أهلية لا جدوى من أي شيء، ووجود ضمير في من لا تتوافر لديه الأهلية، يلزمه بالانكفاء وعدم الانبراء لتولي المسؤولية. لذلك، يشكل يوم الاقتراع فرصة للمحاسبة اما التغيير واما تأكيد الثقة. لا يجوز أن نخطئ في الخيار ثم نتباكى على النتائج. الاختيار بالعقل وليس بالعاطفة فقط، وعلينا التعلم من التجربة”.

واعتبر أن “سلاح حزب الله نتيجة وليس سبباً. انه نتيجة الفشل في الحكم. المطلوب حكم يتمتع بالكفاءتين الأخلاقية والعلمية، وهذا يحل كل الأمور”، مشيرا الى “أننا وصلنا الى ما نحن عليه بسبب وجود أولويات وصولية عند أهل الحكم بدلاً من أن تكون لديهم أولويات انقاذية واصلاحية وتقدمية للبلد. كل التركيز في لعبة الحكم هو على الحصة والكسب الشخصي بدلاً من أن يكون على الفكر والأهلية. التصحيح المطلوب يأتي من الشعب في الانتخابات عندما يختار الأشخاص المؤهلين للخدمة العامة”.

وعن التدخل الدولي لانقاذ لبنان، قال رزق: “كل قوم خالقو نيرونهم وكل قوم منقذو أنفسهم. الاستعطاء بالنسبة الى الفقر المادي يحصل أما بالنسبة الى الحكم فلا أحد يستطيع أن يستعطي دولة ووطناً انما الوطن يتألف من أهله وقومه، والدولة يصنعها الحاكم الأصيل والمؤهل. نحن بحاجة الى أصالة وأهلية في الحكم كي نعبر الى المستقبل والا سنبقى نتخبط في الرجعية والتخلف. ما لم نعتمد الكفاءة والاقتصاص ابتداء من القمة الى القاعدة فنحن محكومون بالفشل والتخلف. يجب اختيار الأشخاص القادرين على الانقاذ بدلاً من التخبط في الشخصنة والفئوية والتبعية”.

ولفت الى أن “الانتخابات ميزة النظام الديموقراطي الذي يتيح للناس اختيار ممثليهم ومحاسبتهم لأن جوهر النظام الديموقراطي هو التكليف بالتمثيل. الناخب يكلف شخصاً موثوقاً به تمثيله ورعاية مصالحه، ويأتمنه على حقوقه. وجوهر النظام الديموقراطي القائم على الاختيار هو المحاسبة، فإما أن يكون الثواب أو العقاب، اما تجديد الثقة أو نزعها. لا يمكن أن يستسلم الناخب للتبعية العمياء والانقياد الذي هو نوع من التخلي عن الواجب لأن الانتخاب يمثل الحق في التغيير ويفرض واجب المحاسبة أي التغيير عند الفشل. هذا من بديهيات النظام الديموقراطي، والشعوب المتمرسة بالديموقراطية تسهر على حقوقها وتحاسب من يتولى مسؤولية الحكم بإسمها. النواب هم وكلاء والأصيل هو الناخب. من لا يحاسب لا يستحق الممارسة الديموقراطية”.

وشدد على أن “كل المراحل أساسية في حياة الشعوب، فإما أن تمضي قدماً نحو المستقبل الأفضل واما أن تضع في أعناقها طوق التبعية والرجعية. كل الأزمنة هي أزمنة حاسمة ولا وقت مستقطع. لذلك، المطلوب أن يعي كل مواطن مسؤوليته الخاصة والشخصية عن نوعية الحكم الذي سيخضع له”.

وتمنى “أن يعود المسؤولون الى صحوتهم، ويتصرفوا على أساس أن الانسان لا يملك الا ما يعطيه وليس ما يأخذه، والمطلوب من الحاكم أن يكون الخادم وليس ولي الأمر فقط، وولاية الأمر هي الخدمة، والحكم هو الخدمة، ورهافة الخدمة هي جوهر النظام الديموقراطي مع ثقافة المحاسبة التي يجب أن نتمسك بها ونطبقها ومن لا يحاسب موكله يفقد حقه”، آملاً “أن ينهض الشعب اللبناني المعروف بثقافته من كبوته ويستعيد زمامه من الأيدي العابثة وغير الأمينة”.

وأعرب رزق عن خشيته من “الاستمرار في تجاهل الواقع، والتعامي عن الحقائق بحيث نضّيع فرص التعافي والانقاذ، وكل ذلك يجب أن يبدأ بالمحاسبة في صناديق الاقتراع اذ لا تجوز مكافأة الفاشلين بل معاقبتهم”.

شارك المقال