مسيرة التغيير طويلة جداً!

رامي الريّس

تكريس فكرة لبنان الساحة آخذ في التصاعد في كل سلوكيّات محور الممانعة وأدبيّاته، وهو ما تسعى إليه تلك القوى الظلاميّة من خلال الانتخابات النيابيّة المقبلة بحيث أنها تريد الانقضاض على ما تبقى من أصوات تنادي بالسيادة والاستقلال والقرار الوطني الحر.

فبعد الامساك بمفاصل أساسيّة في الدولة عقب توقيع تفاهم “مار مخايل” وبدءاً من العام 2006، وبعد إبتداع شعاراتٍ يمكن النفاذ من خلالها لتعطيل المؤسسات وشل عملها مثل “الميثاقيّة”، أصبحت الأولويّة للاطباق على سائر مفاصل الدولة، بدءاً بالمجلس النيابي الجديد، مروراً بحكومة ما بعد الانتخابات، وصولاً إلى رئاسة الجمهوريّة التي لن يكون من السهل بناء التوافق حولها.

إن مواصلة القوى السياديّة تصديها، بطريقة سلميّة وديموقراطيّة، لمشاريع جبهة الممانعة هو خيار حتمي يتطلب تحصيناً في الانتخابات النيابيّة. القضيّة ليست متصلة بألا تكون هناك تغييرات في المجلس الجديد، فصيرورة الأمور تحتّم حصول التغيير الذي ترغب به الناس. ولكن القضيّة مرتبطة أيضاً بمدى إمكانية ضمان وصول من يملكون الكفاءة والقدرة على المواجهة، وليس الهواة في السياسة أو بعض أصحاب الرساميل الذين إستغلوا إنهيار العملة الوطنيّة لتوزيع الأموال على الفقراء وإستغلال أصواتهم.

الآفاق المرتقبة أمام اللبنانيين ليست ورديّة، ذلك أن القوى التي وصفت نفسها بأنها قوى تغييريّة لم تتمكن من أن تتوحد في برامج ورؤى ولوائح، بل إنها “فرّخت” مرشحين من هنا وهناك بحجم يتجاوز المقتضيات الموضوعيّة للتنافس الصحي الديموقراطي. وفي المقابل، القوى الظلاميّة التي تمسك بناصية القرار الوطني وتصادره وتتلاعب به كورقة تفاوضيّة لتضعها في خدمة رعاتها الاقليميين لا تقدّم بدائل مشرقة، بل على العكس تماماً.

التحدي الذي يفرضه الاستحقاق النيابي كبير ومقاربته من قبل المواطن اللبناني تتطلب وعياً ومسؤوليّة عالية وإقبالاً كثيفاً لأن الانكفاء والتراجع غير ذي فائدة، بل على العكس فهو يتيح تسلل صغار محور الممانعة (وما أكثرهم) إلى المجلس النيابي الذي سوف يتحوّل عندئذٍ من سلطة تشريعيّة إلى سوق عكاظ يتبارى فيه النواب الجدد من حديثي النعمة في المبارزات الكلاميّة الفارغة وفي إعلاء شأن سياسة المناكفات الرخيصة التي لن تؤدّي سوى إلى المزيد من التشرذم والتراجع والتقهقر على مختلف المستويات.

في كل دورة نيابيّة، يتناقص عدد النواب المشرّعين، ويزداد عدد النواب الذين لا طعم لهم ولا لون. البعض منهم لا تقرأ له تصريحاً أو موقفاً من أي قضيّة سياسيّة أم إقتصاديّة أم إجتماعيّة أو بيئيّة. البعض منهم لا ينزل أساساً إلى ساحة النجمة. والبعض الآخر حدث ولا حرج.

ثمّة أعطاب كثيرة في التركيبة السياسيّة اللبنانيّة، مصدرها عقم النظام الطائفي والمذهبي الذي يفرز المواطنين ويصنّفهم درجاتٍ متفاوتة في الحقوق والواجبات. الأكيد أن مسيرة التغيير طويلة وطويلة جداً…

شارك المقال