انتخابات المنتشرين… “بروفة” الخرق المحدود والتغيير المنشود

هيام طوق
هيام طوق

مرّت انتخابات المنتشرين في 6 و 8 أيار الجاري بسلاسة وهدوء على الرغم من بعض الاعتراضات والزحمة التي شهدها عدد من مراكز الاقتراع، حيث تحدثت جهات المراقبة المحلية والأوروبية عن مخالفات يمكن وضعها في خانة المعقولة والمتوقعة وغير النافرة والتي لا تؤثر على العملية الديموقراطية ونتائجها.

الانتخابات التي جرت في دول الانتشار وعددها 58 بلداً، ووصل عدد مراكز الإقتراع الإجمالي فيها الى 205 مراكز وعدد الأقلام الى 598 قلماً، بلغ عدد المغتربين المسجلين للمشاركة فيها 225.114 ناخباً، وهو أعلى بنحو 3 أضعاف من أعداد أولئك المسجلين في انتخابات 2018، وبلغوا نحو 92 ألف ناخب.

وفي حين تأهبت المؤسسات الرسمية خصوصاً وزارة الخارجية التي أنشأت غرفة عمليات خاصة بإدارة ومراقبة الانتخابات في الخارج، في محاولة لتمرير استحقاق المنتشرين بأقل قدر ممكن من الثغرات بعد أن وصل اليها الكثير من الشكاوى من الدول كافة ولا سيما من أستراليا ودبي، فإن الماكينات الانتخابية للأحزاب في الداخل كانت تعمل كخلية نحل لمتابعة سير العملية الانتخابية لحظة بلحظة لناحية نسب الاقتراع واحصاء توجهات المقترعين، لأنه وفق المراقبين تكتسب انتخابات المنتشرين أهمية كبرى ولها دلالات يجب أن تؤخذ في الاعتبار خصوصاً في الشارع المسيحي بحيث أن مقترعي الخارج سيلعبون دوراً في الحاصل الانتخابي الذي تتأرجح على أساسه بعض أسماء المرشحين وتحديداً في دائرة الشمال الثالثة التي شهدت أعلى نسبة تسجيل للمغتربين.

وبغض النظر عن نسب المقترعين في الدول، انتهت عملية الاقتراع للمنتشرين في الخارج مع اقفال آخر صندوق في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأميركية وكندا، وبلغت نسبة الإقتراع العامة غير النهائية نحو 60 في المئة في القارات الست، وبدت حماسة المنتشرين للمشاركة في الانتخابات لافتة اذ أن الغالبية منهم اعتبرتها خطوة نحو التغيير، ولمحاسبة السلطة التي أوصلت البلد الى ما هو عليه وكانت السبب الأساس والمباشر في تهجير اللبنانيين من بلاهم وإبعادهم عن أرضهم وأرزاقهم وبيوتهم وأهاليهم وأقاربهم.

وفي حين اعتبر البعض أن انتخابات الخارج بمثابة “بروفة” لانتخابات الداخل يوم الأحد المقبل، وأنها تمثل عيّنة من توجه الرأي العام اللبناني الى المحاسبة في الصناديق، أشار آخرون الى أن مشاركة المنتشرين ستترك تأثيراتها على النتائج خصوصاً بالنسبة الى اللوائح المسيحية، كما أنها سترفع الحاصل الانتخابي اذ أن نسبة المقترعين أعلى بكثير من انتخابات 2018، وبالتالي تغيير وجهة الربح والخسارة لبعض المرشحين غير المحسومين مع التأكيد أن الخروق الكبيرة غير واردة انما ستبقى محدودة كما كان متوقعاً. وعلى الرغم من الدراسات الاحصائية والاستمارات التي تلجأ اليها الأحزاب والتيارات في حملاتها الانتخابية لاستطلاع المزاج الشعبي، يبقى عنصر المفاجأة موجوداً حتى الانتهاء من الفرز. مع العلم أن الاقبال على المشاركة في الاستحقاق الانتخابي في الخارج كان يجب أن يكون أكبر ويصل الى 80 و90 في المئة لأن من تسجلوا لديهم النية والاصرار على المشاركة مع ترك هامش 10 في المئة لأسباب لوجيستية وخاصة.

كيف يقرأ المراقبون والمعنيون انتخابات الخارج؟ وهل يمكن اعتبارها بمثابة “بروفة” لانتخابات الداخل يوم الأحد المقبل؟

رأى مدير “المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات” حسان قطب أن “رغبة المنتشرين في التغيير تركت آثاراً ايجابية على الساحة اللبنانية بمعنى أن التغيير بات مطلوباً، وانتخابات الخارج ستنعكس على الداخل بحيث أن موقف الناخب في الداخل سيكون مشابهاً ومتقارباً لموقف ناخب الانتشار. وهذه خطوة ايجابية تدل على الرغبة في تغيير الواقع. لكن على الرغم من ذلك، لن تكون هناك مفاجآت كبيرة، انما سنشهد تغييراً في مختلف الساحات وهو ما لن يرضى عنه الثنائي الشيعي”.

وتحدث عن الانتخابات في أفريقيا التي “أعطت انطباعاً أن البيئة التي يعتمد عليها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر لم تتجاوب مع الانتخابات كما كان متوقعا لصالح هذا الفريق، وهذا مؤشر الى الرغبة في الخروج من تحت سقف السلطة التي قادت لبنان الى الهاوية”.

واعتبر أن “التغيير عبر صناديق الاقتراع صعب في الواقع لأن السلاح يحكم، ويريدون سلطة تدير الأمر الواقع ولا تعالج المشكلات في حين أن المطلوب سلطة تقدم رؤية وخارطة طريق للخروج مما نحن فيه”، مشيراً الى أن “حزب الله يعوّل على الامساك بساحته كاملة مع الابقاء على الخروق ضمن الساحات الأخرى للقول انه ممسك بساحته وقادر على التغلغل في الساحات الأخرى، وهذا غير صحيح”.

ولفت الى “العوائق اللوجيستية والثغرات التي أثّرت سلباً على عدد الناخبين في الخارج، ولكن يبقى أن نسبة الناخبين كانت جيدة، وهذا يعني أن لا استسلام للأمر الواقع”، رافضاً الحديث عن نسب المشاركة في 15 أيار، “فالاحصاءات ليست دقيقة وربما بعضها مدفوع الأجر بأهداف معروفة”.

من جهته، أكد مدير “مركز الاستشراف الاقليمي للمعلومات” عباس ضاهر أن “انتخابات المنتشرين أظهرت في مكان ما تفوق ما يسمى قوى التغيير أو المجتمع المدني ولكن في الوقت نفسه ثبّتت معادلة الأحزاب في البلدان. على سبيل المثال، في أستراليا، النسبة الأكبر للقوات لكنها لم تكن على قدر التوقعات، وفي ألمانيا ثبّتت قوة حركة أمل. أما المشهد اللافت فكان في دبي وأبو ظبي، وأعتقد أن النسبة الأكبر كانت في اتجاه التغيير وليس لصالح الأحزاب. وهذا الخيار الثالث بسبب النقمة على القوى السياسية التقليدية لكن هذا لا يعني أن قوى التغيير كانت الأكثر تفوقاً لأن الاحزاب لا تزال تثبت حضورها في الدول”.

ورأى أن “انتخابات المنتشرين تشبه في مكان ما الانتخابات في الداخل، لكن في لبنان سيختلف الوضع لأن القوى الحزبية تكون ممسكة بزمام الأمور أكثر. المجتمع المدني ربما يخرق في دوائر، وسيحصل على أرقام جيدة في دوائر أخرى لكن لن يستطيع الخرق بشكل كبير مع تشتت لوائحه ما يعني عودة القوى التقليدية الى تقاسم السلطة. انتخابات المغتربين تثبت أن لا مفاجآت كبيرة انما محدودة”.

وشدد على أن “لا تفوق لطرف على آخر بشكل كبير في الانتخابات”، مشيراً الى أن “الطائفة السنية اختارت في معظمها الخيار الثالث أي المجتمع المدني تعبيراً عن حالة الاعتراض أو التزمت منازلها ولم تشارك في العملية الانتخابية”.

شارك المقال