“أكتر من القرد ما مسـخ الله”

حسان الرفاعي

لم أفهم الأسباب الحقيقيّة وراء تعليق سعد الحريري عمله وعمل تياره السياسي، كما لم أفهم أسباب عودة السفراء العرب البهيجة إلى ربوعنا في حين أن بنود المبادرة الكويتيّة لم تحترم من الجانب اللبناني؟ كذلك لم أفهم يوماً ما أسميَ “مبادرة فرنسيّة” تلت انفجار المرفأ لأنّها بَدَتْ زئبقيّة لا تُدرَك، ولماذا ووفق أيّة معايير ميّز صاحب المبادرة بين جناح عسكري وآخر سياسي عند “حزب الله”، ولا كيف شجّع على انتخابات نيابيّة رغم معرفته فداحة قانون الانتخابات الذي دبّجته سنة 2017 المنظومة المطلوب تغييرها، وكيف ما زال يجهل هو وأجهزته ما ينير التحقيق بانفجار 4 آب، ولماذا دعا إلى “عقد سياسي” جديد في لبنان نجهل نحن اللّبنانيون أسبابه ومضمونه في حين نرى تقارباً بين فرنسا وكلٍّ من إيران و”حزب الله” رغم الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها هذا الفريق في سوريا والعراق واليمن ولبنان والتي أوصلت قسماً من المهاجرين السوريين إلى قلب أوروبا؟

لم أفهم أيضاً كيف موّن السيد ماكرون نفسه بِدَفْعِ السفير مصطفى أديب المقرّب من المخابرات الفرنسيّة، على حدّ تباهي أحد الصحافيين المقرّبين من سعادته على إحدى الشاشات، الى تشكيل الحكومة اللبنانيّة قبل أن يُعِدَّ ومستشاريه “طبخة” نجيب ميقاتي، بعدما سبق وأوحى أنّه يدعم سعد الحريري في تأليف “حكومة مهمّة”؟

كما لم أفهم لماذا عاد تيار “المستقبل” عن مقاطعته الاستشارات بعد اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة وسمّى نجيب ميقاتي، وكيف بارك رؤساء الحكومات السابقون تسمية ميقاتي وهو الذي انقلب على كلّ مبادئ التأليف التي سار عليها الحريري والتي أيّدته فيها دار الفتوى؟

– في موضوع انفجار المرفأ لم أفهم كيف قَبِلَ سماحة مفتي الجمهوريّة أن يحتمي بعباءته أحد الوزراء المطلوبين وأن يطلق معاليه تصاريحه الاستنهاضيّة المبتذلة من دار الفتوى؟ كما لم أفهم لماذا قام سعد الحريري بزيارة حسّان دياب في السرايا الحكومية حينما استُدْعيَ الأخير مما أتاح للمجرمين الحقيقيين التلطي خلف ما أسمي “تعطيل مرجعيّات الطائفة السنيّة مسار التحقيق” في حين أن أبطال التعطيل هم في مكانٍ آخر …؟ ألم يكن من الأصح والأجدى أن يَصدُرَ بيان عن دار الفتوى يلفت إلى أن سماحته لا يغطي رئيس حكومة أو وزيراً بل سيراقب مجريات التحقيق وسيكون له، ولأهل السنّة، كمواطنين لبنانيين موقف حاسم إذا بان أنّ القضاء منحاز أو مرتهن ويوجّه تُهمَهُ بشكل إنتقائي؟

– في موضوع سلاح “حزب الله” والمطالبة بتسليمه إلى الدولة اللّبنانيّة، لم أفهم كيف يُحكى عن مقايضة هذا السلاح بصلاحيّاتٍ دستوريّة للثنائي الشيعي، فهل المطلوب إعطاء الحزب طوعاً ما عجز حتّى الآن عن تحقيقه عن طريق الغزوات والقمصان السود؟! وهل أصبحت اللامركزيّة الموسّعة، كما يطالب البعض، السبيل لخلاص اللبنانيّين من محنهم أم أنّها قرار انكفائيّ عن فكرة لبنان الكبير لمجرّد أنّ هذا البعض سئم أن تذهب أموال مناطقه إلى سواها من المناطق الخارجة على الدولة والتي لا تدفع رسومها؟ وهل أصبحنا على طريق الفدرلة والتقسيم وإعلان سقوط لبنان البطريرك الحويّك؟

– في موضوع زيارة قداسة البابا إلى لبنان لم أفهم سبب استقبال الحبر الأعظم لرئيس الجمهوريّة في السنة الأخيرة من ولايته وهو المنبوذ من شعبه، كما لم أفهم الهدف الحقيقي من إعلان زيارة قداسته إلى لبنان مباشرة بعد الانتخابات، في حين أعرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن خشيته ألّا يمر الاستحقاق الرئاسي بسهولة، فهل من رابط بين الزيارة (التّي أُجّلت) وما ينتظر لبنان…؟

– في موضوع الانتخابات النيابيّة، لم أفهم إصرار سماحة مفتي الجمهوريّة وغالبيّة السّادة العلماء على دعوتهم إلى التّوجّه إلى صناديق الاقتراع في حين أنّ ثوّار تشرين 2019، رجالًا ونساءً، كهولاً وشباباً، هم مَنْ طالبوا بالانتخاب كمدخل للتغيير؟ أمّ أنّ هذه الحماسة عائدةٌ الى طلب لا يُردّ يقضي بمحوِ أيّ أثر سياسيّ لسعد الحريري؟! وهل يخالون أن استبدال الزعيم يحصل بين ليلة وضحاها ومن دون تهيئة البديل المقبول من القاعدة؟ أليس الأجدى أن يقوم كبار الطائفة بالمونة على أصحاب اللّوائح الكثيرة والمتعدّدة كي ينسحبوا لبعضهم البعض تجنباً لشرذمة أصوات أهالي دائرة بيروت الثانيّة فتنحصر مهمّة حماية مقاعد بيروت بلائحتين في وجه الغزاة؟

– في موضوع حزب “القوات اللّبنانيّة”، لم يفهم كُثرٌ، وأنا منهم إلى من يتوجّه الحكيم حينما يرفع شعار “معكم فينا”؟ فهل يقصد نديم الجميّل الذي يسعى إلى اسقاطه في “بيروت الأولى” أم السنّة الذين رفعوا الصرخة سنة 2018 في وجه قانون الانتخابات اللّعين في حين تكمّش به سمير جعجع ومازال؟ وهل أبدتْ “القوات” رأيها حينما كان الرّئيس عون، مستنداً إلى استشاراتٍ دستوريّة ملتوية، يعتدي على صلاحيّات رئيس الحكومة في عمليّة التأليف أم أنّها كانت تراقب عن بُعد كي لا تخدش المركز الماروني الأوّل عملاً بشعار “أوعى خيّك؟!”.

شارك المقال