الانتخابات زادت فوضى البناء… وكل صوت برخصة

نور فياض
نور فياض

أيام قليلة تفصلنا عن الانتخابات النيابية، وكالعادة قبل أي استحقاق يلجأ المرشحون الى توزيع مساعدات وتحقيق مطالب جمهورهم لنيل أصواته، وغالبية المواطنين تستغل هذا الوقت لتحقيق أهدافها على أساس “مرقلي هالشغلة بصوتلك”. عادة يشترى الناخبون بالمال أو بالمساعدات العينية، اما اليوم فرخص البناء باتت في أولوية المساعدات، والا فالاعتراض معناه خسارة أصوات.

ويشهد قضاء زغرتا في هذه الفترة بناء عشوائياً يغطي غالبية أراضيه، فهل المرشحون وراء ذلك؟

في هذا الاطار، أعربت رئيسة بلدية مجدليا جمانة بعيني في حديث ل “لبنان الكبير” عن استيائها مما آلت إليه الأوضاع في مجدليا جرّاء “الفوضى العمرانيّة التي انتشرت في المنطقة لا سيّما في الفترة الأخيرة، إذ يحظى المخالفون بالتّغطية فيبنون المنازل من دون رخصة”.

وأشارت الى أن “الانتخابات أدّت إلى ازدياد هذه الفوضى، ولو أن المسؤولين لم يغضّوا النّظر عن هذه الفوضى لما وصلنا الى ما نحن عليه”.

اما في ما يتعلّق بدور البلديّة، فهي غير قادرة على التصرف بالشكل اللازم لأن معظم المخالفين يُسكنون عائلات في الطوابق الأولى كي لا يتم هدم البناء. وقالت بعيني: “إنها مرحلة انتخابات، الفوضى عارمة والبلديّة عاجزة عن التّصرّف بالطريقة المناسبة كونها لا تملك شيئاً من الامكانات البشريّة أو المادّية”.

في المقابل، أكد عضو في احدى بلديات زغرتا تمنى عدم ذكر اسمه، أن “من يريد أن يبني عليه أن يحصل أولاً على ترخيص قانوني من نقابة المهندسين والتنظيم المدني، والدولة سمحت بالبناء لمن يملك تعميماً من البلدية معطى من وزير الداخلية ولا يحق لرئيس البلدية أن يعطيه لأحد الا بإذن من الوزير وفي وقت معيّن”.

أضاف: “فوجئنا منذ شهرين ببداية موجة البناء والقوى الأمنية لم تحرك ساكناً، لذلك توجهنا بكتاب الى الوزارات والجهات المعنية التي غضّت النظر عن الموضوع، أما القوى الأمنية فاكتفت بإعطاء محاضر ضبط للمخالفين فقط”.

ولفت الى “أننا نشهد بناء عشوائياً من دون احترام تصنيف الأرض وكأننا في دولة غائب عنها القانون، ولا احترام لقانون تنظيم البناء وكل مواطن يصنّف نفسه بأنه مسؤول التنظيم أو رئيس البلدية”.

في السياق، أشار عضو مجلس بلدية طرابلس باسل الحاج الى أن “منطقة الشلفة من أساسها مبنية بطريقة فوضوية ومن دون ترخيص”، مؤكداً “أننا نلمس تواطؤاً من القوى الأمنية في تغطية المخالفين، والبلدية لا تأخذ قراراً سريعاً وبالتالي يكون المخالف قد أنهى البناء وتصبح البلدية عاجزة عن تنفيذ مهامها”.

وقال: “صحيح أن الأرض تابعة لمالكها، ولكن لا يحق له أن يبني بطريقة عشوائية وخاصة على ضفاف النهر الذي يجب أن يستفاد منه بمشاريع سياحية، الا أن البلدية والقوى الأمنية قتلت هذه المشاريع”.

أضاف: “الفوضى ليست مرتبطة مباشرة بالانتخابات، فهي منذ ١٠ سنوات موجودة وخاصة في الفترة التي سمح للبلدية باعطاء تراخيص من دون اللجوء الى التنظيم المدني أو النقابة المختصة، وازدادت هذه الفوضى وأصبح الأمر واقعاً بحيث أن البلدية والدولة تغطيان المخالفين ولا تطبقان القانون”.

اما رئيس “حركة الأرض” اللبنانية طلال الدويهي، فقال: “يسيطر على أطراف زغرتا بناء عشوائي مغطّى لأسباب سياسية من المرشحين والأحزاب وحتى رجال الدين، فخلق ضواحي مصطنعة ولاسيما في منطقة الشلفة ما تسبب بتغيير ديموغرافي”.

ولفت الى أن “القوى الأمنية حاولت التعرض للمخالفين لكن رجال الدين رفضوا المساس بهم، ما يدل على طابع متطرّف ديني مبني على الفوضى في البناء ويؤثر على الواقع الوجداني للناس التي تأخذ الخدمات والتسهيلات من المرشحين والنواب الذين يدّعون الوطنية بينما هم عكس ذلك، فالوطني لا يترك الفلتان العمراني غير المدروس يسود في منطقته”.

وأوضح “أننا توجهنا بكتاب الى وزير الداخلية الذي لا ألومه فهو من طرف سياسي وليس لكل لبنان، والتوجه اليه كان بصفته قاضياً ولكنه لم يتجاوب معنا لأنه تابع لهذه المنظومة التي تبني عشوائياً. ففي هذه الدولة كل شخص يساير من ينتمي الى طائفته أو حزبه ما جعلها رخوة وبالتالي نتجت عنها هذه الفوضى”.

اما من ناحية الأرض، فقال الدويهي: “حدّث ولا حرج، اذ نجد تعديات في منطقة الفوار مثلاً، يشتري شخص ما ٢٠٠٠ متر ويضع يده على ٤٠٠٠ متر، أو يشتري أرضاً ويضع يده على المشاع، ولا أحد يلتفت والقضاء غائب”. وشدد على أنّ “المسيحيين هم أكثر من يدفع الثمن في هذه الدولة الرخوة، اذ هاجر عدد كبير منهم ما غيّر في البنية الديموغرافية، ومثال على ما يعانونه نجد في جبل لبنان تعدياً على أراض تملكها البطريركية المارونية”.

وتابع: “هناك فلتان ظاهر، وعقل استراتيجي يدير عملية شراء الأراضي وفي المستقبل القريب والبعيد لن يتغيّر شيء، ففي هذه الدولة الرخوة المسيحي فقط من يدفع الثمن. كانت الفوضى العمرانية جرح، اما اليوم فتحوّلت الى نزيف بوجود هذه المنظومة السياسية”.

عشية الانتخابات النيابية، على القوى والأجهزة الامنية وضع حد فوري للفوضى العمرانية والبناء العشوائي، حرصاً على صحة أهالي المناطق المشوهة، وبيئتهم وأمنهم وسلامتهم، فلا يمكنها أن تدع المجازر ترتكب بحق الأرض والمجتمع فقط لكسب الأصوات. فهل سيلقى هذا النداء تجاوباً قريباً وتعود الأرض الى طبيعتها وحياتها، أم أن كرسي النيابة أهم من الوطن؟!

شارك المقال