أعيدوا الرئاسة إلى اللبنانيين!

رامي الريّس

قد يكون محور الممانعة المستفيد الأول من الثورة، إجهاضاً وثم تعدّد لوائح. لم تقارب الفصائل الثوريّة قضيّة سلاح “حزب الله” إلا في ما ندر، ومن ثم تعرّضت لهجوم بالعصي والسواطير في وسط العاصمة، فصمت كل الأبطال الذين تصدروا المشهد الإعلامي لأشهر طويلة. حتى أولئك الذين كانوا يقطعون الطرق، كانوا يتناولون كل الأمور على الهواء إلا هذه المسألة الوطنيّة الحساسة.

لا شك أن تعدديّة الآراء وتنوعها هي من الميزات الديموقراطيّة النادرة التي لا يزال لبنان يتمتّع بها، وهي معرّضة للاهتزاز والسقوط في حال نال محور الممانعة الأكثريّة المريحة في المجلس النيابي الجديد. ولا شك أن من حق المرشحين، وهم بالمئات، أن ينتظموا في لوائح متنافسة وفق قانون الانتخاب الجديد. إلا أن هذا لا يلغي أن التعدد الهائل في اللوائح في مختلف الدوائر الإنتخابيّة من شأنه أن يشتت الأصوات ويبعثرها، ويجعل الوصول إلى الحاصل أكثر صعوبة، والمستفيد من ذلك سيكون حتماً محور الممانعة.

لا يحتمل محور الممانعة الرأي الآخر، ولا يريد أن يترك له أي مساحة للتعبير، مهما كانت ضيّقة ومحدودة. ولا يحتمل المحور إيّاه فكرة التعدديّة في بيئته، ولا يتوانى عن ممارسة مختلف أشكال الترهيب والترغيب للحفاظ على الثنائيّة (وهي أشبه بآحاديّة في واقع الحال). وإذا كانت هذه القاعدة المعتمدة في مجتمعه، فهو يحاول تعميمها على سائر مكونات المجتمع اللبناني ولو بأساليب مختلفة.

لا يخرج كلام الأمين العام لـ “حزب الله” عن رفض أي نقاش في الاستراتيجيّة الدفاعيّة عن هذا الإطار. الرجل واضح في كلامه وموقفه. ممنوع قيام الدولة بواجباتها. المنطق المعتمد: إبنوا دولة ثم تعالوا إليّ! ولكن، كيف تُبنى الدولة في ظل هيمنة السلاح على الحياة السياسيّة، وفي ظل الإزدواجيّة في القرار السيادي والسياسي والدفاعي؟ أين رأيتم دولة فعليّة حول العالم تقبل أن “تلزّم” من خارج أطرها المؤسساتيّة الرسميّة العسكريّة والأمنيّة قرار الحرب والسلم لفصيل مسلح له أجندته وقراراته وإتجاهاته وله إرتباطاته وإمتدادته الإقليميّة والخارجيّة؟

المعركة المقبلة بعد إنتهاء الانتخابات النيابيّة سوف تكون رئاسة الجمهوريّة، وهو الموقع الأول في الدولة. مطلوب إعادته إلى اللبنانيين بعد إختطافه من “الرئيس القوي” لصالح محور الممانعة. مطلوب أن يكون الرئيس الجديد أكثر إعتدالاً ولو كان أقل “قوّة”. ماذا يعني الرئيس القوي؟ قوي على من؟ على الآخرين؟ على شعبه؟

لقد لمس اللبنانيّون بشكل مباشر كيف دمّر الرئيس القوي البلاد، وكيف خاض معارك وهميّة على مدى ست سنوات من ولايته من دون أن ينجح في تحقيق إنجاز واحد، وكيف شهد بنفسه مساوئ منطق التعطيل الذي مارسه قبل وصوله إلى قصر بعبدا، ولم يتأخر فريقه عن ممارسته في أوج عهده!

اللبنانيون يريدون رئيساً يعيد لهم الثقة بوطنهم، ويعيد بناء علاقاته الخارجيّة، ويخرجه من صراع المحاور الإقليميّة، ويجعل تطبيق القانون فيه غير خاضع لحسابات ومحسوبيّات. هل هذا كثير؟

شارك المقال