3 خيارات أمام الناخب الدرزي.. والعين على ما بعد الاستحقاق‎‎

عبدالله ملاعب

ساعات قليلة تفصل اللبنانيين عن صناديق الاقتراع، في انتخابات مفصلية تأتي بعد زلزال الارتطام الاقتصادي الذي لا يزال يرخي بثقله على معيشة اللبنانيين، وحراك 17 تشرين الذي يبدو أنه كان مرحلياً بسبب جملة من الشوائب التي تلته أبرزها تعثر الوجوه الجديدة في فرض نفسها على الساحة السياسية ببرامج واقعية فعلية، والتراجع الدراماتيكي للثورة ابان تشكيل حكومة حسان دياب مطلع العام 2020 الذي استفز الشارع السني حين رأى أن الانتفاضة طالت رئاسة الحكومة دون سواها.

وضمن هذا الشارع اللبناني العريض، يأتي المكون الدرزي الذي شارك بدوره في انتفاضة 17 تشرين التي خرقت الأحزاب بنسب متفاوتة، وربما يكون الحزب “التقدمي الاشتراكي” من أبرز هذه الأحزاب الحاضرة بزخمها في الشارع الدرزي والتي طالها الحراك لجملة من الأسباب في مقدمها شعارات 17 تشرين التي رفعتها “منظمة الشباب التقدمي” بالامس القريب ضمن انتفاضة الرابع عشر من آذار، ومفاهيم تعديل النظام السياسي اللبناني وجعله أكثر تمثيلاً للبنانيين والذي كان باكورة البرنامج المرحلي للاصلاح السياسي الذي أطلقه كمال جنبلاط في سبعينيات القرن المنصرم، وبقي حاضراً في صفوف الاشتراكيين ووجدانهم الى اليوم.

في السياق، أمام الناخب الدرزي اليوم لاسيما في دائرة الشوف وعاليه تحديداً، أكبر الدوائر الانتخابية اللبنانية، وأكثرها تمثيلاً للدروز بأربعة مقاعد نيابية، ثلاثة خيارات، وهي الخيارات نفسها التي تنطبق على المقاعد الدرزية الأخرى في كل من بيروت والبقاع الغربي – راشيا وبعبدا، باستثناء حاصبيا حيث رفض “التقدمي” دخول المعركة الانتخابية عازياً ذلك الى جملة أسباب أبرزها ضعف الصوت الدرزي في هذه الدائرة وصعوبة أخذ المقعد النيابي سيادياً في دائرة يأتي فيها المرشح الدرزي عادةً بأصوات شيعية. لذلك كان خيار عدم دخول المعركة هناك، والتوافق مع الرئيس نبيه بري الذي اختار المصرفي مروان خير الدين كي يأتي عوضاً عن النائب أنور الخليل الذي شغل هذا المنصب منذ التسعين الى اليوم.

اذاً، ثلاثة اتجاهات أساسية أمام الناخب الدرزي: الأول التصويت لمرشحي الحزب “التقدمي” الذي أعلن جهاراً مواجهة “حزب الله” باعتباره قوى ايرانية ممانعة تريد نسف الكيان اللبناني كما قال وليد جنبلاط مطلع العام 2020، واختراق الساحة الدرزية اليوم، كما قال مرجعيتها الأكبر السيد حسن نصر الله الذي أعلن أن معركته ليست في البيئة الشيعية بل نصرةً لحلفائه في كل من عاليه والشوف وكسروان أي بكلام آخر، مكان تعثر “التيار الوطني الحر” وفي البيئة الدرزية حيث يدعم كلاً من طلال أرسلان ووئام وهاب وسائر قوى الممانعة الدرزية في عاليه والشوف وفي بيروت، حيث وعد نصر الله النائب أرسلان بتزويد مرشحه عن هذه الدائرة نسيب الجوهري بنحو خمسة آلاف صوت انتخابي، اضافة الى بعبدا والبقاع الغربي – راشيا حيث التنسيق في أوجه بين ممثلي الضاحية وممثلي دمشق لسحب تمثيل “التقدمي” منها ورد المقعد الى القيادة السورية.

“التقدمي” الذي يرى الانتخابات مفصلية بين محور المحافظة على الكيان اللبناني وصورة لبنان الوطن العربي المتنوع، تلقف هجمة “حزب الله” وكان كلاماً عالي السقف لمرشحيه وقياداته، وآخره ما صدر عن مفوض الاعلام في الحزب صالح حديفة الذي توجه الى نصر الله بالقول: “طويلة على رقبتهم وضعنا بمصاف العدو الاسرائيلي بالقول اننا ننفذ عليه حرب تموز ثانية في حين أنه يرى معركته الانتخابية في الشوف وعاليه”.

في السياق، يأتي الخيار الثاني المتمثل في تحالف الممانعة الدرزية الذي يتألف من وهاب وأرسلان مع مرشحَي الأخير في بيروت نسيب الجوهري وفي بعبدا فاروق الأعور، اضافة الى فيصل الداوود في البقاع الغربي – راشيا وخير الدين في حاصبيا، وينتمي الأخير حكماً الى هذا الخط وإن كان يحاول في جلساته ولقاءاته بحسب المعلومات استثناء نفسه من مجموعة الممانعة الدرزية.

ان هذا الخيار واضح من حيث موقفه السياسي المكمل بلسان قيادته لـ”حزب الله” الذي رأى فيه أرسلان “حامي الجبل كما يحمي الضاحية الجنوبية” وذلك في كلمة له في بلدة قرنايل المتنية. كلام أرسلان جعله يخسر الكثير من رصيده البسيط بحسب متابعين، اذ أن وضعه وظيفة “حماية الجبل” في عباءة “صديقه” السيد نصر الله استفز مقربين منه لاسيما عدداً من المشايخ الذين يصوّتون له وفاء للخط الأرسلاني فقط. كما استفز أقرب المقربين من أرسلان خصوصاً وأنه أتى في الذكرى الحادية عشرة لأحداث 11 أيَّار يوم أراد “حزب الله” الدخول الى الجبل.

أراد أرسلان من هذا الكلام استعطاف “حزب الله” الذي يراه الصديق غير الوفي في انتخابات العام 2018 يوم لم يمده بالأصوات الكافية كما يعتبر “المير”. كذلك، يسعى وهاب الى استجداء “حزب الله” في اللحظات الأخيرة عشية فتح صناديق الاقتراع بجملة من المواقف ولكن بطريقة أذكى من تلك التي يتبعها أرسلان، فمثلاً دعا وهاب في آخر مقابلة تلفزيونة له وليد جنبلاط أو نجله المرشح تيمور جنبلاط الى مناظرة لاظهار من استفاد أكثر من محور الممانعة بينهما، متناسياً أن “الاشتراكي” لا يرى فيه أكثر من وسيلة يستخدمها “حزب الله” لدخول الساحة الدرزية من مقعد شوفي، لما لهذا الخرق إن حصل من رمزية كبيرة وصك براءة للحزب عن كل ما ارتكبه بحق الجبل خصوصاً في هجمته العسكرية في أيار 2008.

الخيار الثالث أمام الناخب الدرزي هو أرقام الاغتراب الذي تقول انه شارك بكثافة في المرحلة الأولى من الانتخابات لا سيما في دول الخليج العربي حيث حقق “التقدمي” بحسب الماكينات الحزبية وغير الحزبية أعلى الارقام، يليه الاغتراب المعارض المتمثل في لائحة المجتمع المدني “توحدنا للتغيير” التي تنأى بنفسها عن القاعدة التي وضعها “الاشتراكي” أي: اما مع “حزب الله” أو ضده. اذ أن هذه اللائحة هي الأكثر حظًاً للخرق بحاصل، وتسعى الى آخر في عاليه والشوف، وتضم بدورها وجوهاً قريبة من الممانعة. وهي للمفارقة قسمت نفسها في عاليه بكل وضوح، حيث مُرشحَين درزيين الأول للمعارضة المنتمية أو القريبة من الحزب “السوري القومي الاجتماعي” والحزب “الشيوعي” الحالي وأصدقاء “حزب الله”، والثاني قريب من فكرة 14 آذار ورؤية وجوب التخلص من تبعات السلاح.

ممثلو هذا الخيار يشغلون محركاتهم لاسيما في صفوف الشباب الدرزي، وكان هذا واضحاً في الجولة الأولى من الانتخابات حيث تنقل أفراد لائحة التغيير بين الناخبين وخصوصاً في امارة دبي. وهنا استغربت مصادر متابعة لانتخابات الاغتراب تغاضي المراقبين عن التسويق العلني والمباشر لمرشحي المعارضة أمام الناخبين وعلى مداخل أقلام الاقتراع وكأنه يحق للوائح التي تحتكر الاصلاح والمعارضة ما لا يحق لغيرها.

في السياق، يخاف أرسلان على مقعده في عاليه لاسيما أن الأرقام واستطلاعات الرأي حتى اليوم تشير الى سقوطه. لذلك يزيد أرسلان ومعه وهاب والماكنية اللبنانية السورية للمرشح الداوود في البقاع الغربي – راشيا، من تقديم كل التنازلات عشية الانتخابات، لـ “حزب الله” عازفين على وتر الرسالة التي سيدليها الحزب أمام اللبنانيين والمجتمع الدولي في 16 أيار إن نجح في خرق كل المناطق اللبنانية، لاسيما وأن أمينه العام بدأ بتنفيذ هذه الخطة حين تحدث عن ايمانه بالحوار وتقبله للآخر وراح الى درجة الكلام عن استعداده دون سواه لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية وكأنه يقول للبنانيين انه تقبل الجميع ومد ذراعه للجميع ودافع عن الجميع، ليكون الجزء الثاني من الخطاب بعد الانتخابات حيث سيقلب الطاولة على كل شيء لاسيما على الاصلاح الاقتصادي المتمثل في الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إن تحول من حزب ايراني في بيئة الى حزب ايراني في كل البيئات.

من هنا تقول مصادر متابعة لحديثه في البيئة الدرزية: “اليوم استعطاف وغداً انقضاض، والعين على ما بعد الانتخابات”. ويبقى الخيار أمام الناخب الدرزي حيث المعركة على أربعة مقاعد من أصل ثمانية، وهي معركة كسر عظم بين المختارة من جهة و”حزب الله” من جهة أخرى، الذي إن نجح في أخذ أربعة مقاعد درزية يفرض نفسه مقرراً عن طائفة مكونة للكيان، لا تراه حامياً لها وترفض بيعه هكذا موقف وإن صبَّ لمصلحة زعامة متهاوية.

شارك المقال