بوتين يطبق تكتيكات الحرب السورية في أوكرانيا

حسناء بو حرفوش

يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أي مدى قد تطول حملته العسكرية في أوكرانيا. لذلك، بينما يستمر حلفاء الناتو بفرض عقوبات، يعمل الكرملين على أفق زمني أطول يعتمد على تجارب روسيا في الحملات العسكرية السابقة، وتحديداً في سوريا، كنموذج أولي لحملة طويلة الأمد لتأكيد السيطرة العسكرية والبقاء في السلطة… هذه هي خلاصة تحليل للباحثين في مجال حقوق الإنسان والحركات الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط، تاناسيس كامبانيس وكايت براون.

وحسب التحليل، “تميزت حرب روسيا في أوكرانيا حتى الآن بمجموعة من التكتيكات العسكرية المألوفة من حروب بوتين السابقة، وعلى الأخص في سوريا، حيث اختبرت روسيا تكتيكات الحرب الهجينة تحت رقابة دولية وعلى مقربة من منافسيها من القوى العظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، لعبت مساعدة الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا ميزة سياسية لروسيا، لأنها مثلت امتداداً لقوتها الناعمة في منطقة الشرق الأوسط، بشكل مصمم لتقويض التحالفات الأميركية وترسيخ روسيا كقوة إقليمية. كما حمل التدخل الروسي في سوريا أهدافاً اقتصادية، لأنه سمح لروسيا بتوسيع أرصفة الشحن والتركيب البحري في ميناء طرطوس.

أما أهداف الكرملين في أوكرانيا فهي أكثر واقعية، مع هدف سياسي واقعي مباشر لتأكيد الهيمنة الروسية على دولة مستقلة وخلق منطقة عازلة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وتختلف أيضاً حسابات المخاطر المرتبطة بالعمليات العسكرية في سوريا وأوكرانيا: في سوريا، لم يكن الكرملين يسعى الى أهداف عسكرية تعرض حدوده السيادية للخطر، واستخدام القوة الجوية عزل القوات الروسية عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها.

وعلى الرغم من هذه الاختلافات السياقية المهمة، توفر نظرة ثاقبة على بعض التكتيكات الأكثر أهمية لروسيا في سوريا رؤية مفيدة لأولئك الذين يقوّمون نهج روسيا في أوكرانيا، ومعرفة كيفية مواجهتها.

واستخدمت روسيا مقاربة منهجية للحرب في سوريا تُعرف بالعامية باسم “الاستسلام أو التجويع”، تضمنت عملية من ثلاث خطوات قصف وحصار ثم احتلال الأراضي التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد. وفي المرحلة الأولى، نشرت روسيا القوة الجوية لتمهيد الأرض للقوات السورية: وورد كلام عن قيام الطائرات الروسية بمائة رحلة جوية يومياً خلال الحملات العسكرية النشطة. واستهدف قصف جوي عنيف عشوائياً المباني السكنية والمدارس ودور العبادة والملاجئ والأسواق والمخابز والمستشفيات، مما أدى إلى نزوح المدنيين السوريين وتحطيم معنوياتهم. وبحلول نهاية الحملة التي استمرت سنوات عدة، جعلت الضربات الجوية الروسية مراكز المدن الكبرى في سوريا غير صالحة للعيش. ومهدت هذه الهجمات العشوائية الطريق أمام الأسد لاستعادة السيطرة على المراكز السكانية الرئيسة في غرب سوريا بحلول أواخر العام 2018.

واتبع الكرملين قواعد اللعبة نفسها في أوكرانيا. وأعلنت الطائرات الحربية الغزو الروسي من خلال قصف أكثر من اثنتي عشرة مدينة وبلدة عبر أوكرانيا في 24 شباط، بما في ذلك المراكز السكانية الرئيسة في كييف وخاركيف ومدينة ماريوبول الساحلية. تبعتها القوات البرية الروسية بعد ذلك بوقت قصير، وعبرت إلى أوكرانيا من بيلاروسيا وشبه جزيرة القرم. وهذا يعني على ما يبدو أن المرحلتين الثانية والثالثة من اللعبة الروسية، “الحصار والاحتلال”، قد بدأتا بالفعل. فقد دخلت ماريوبول ثمانية أسابيع في الحصار ويعاني المدنيون من محدودية الكهرباء والغذاء والماء والامدادات الطبية، كما أفاد الصحافيون المحليون بأن الغارات الجوية دمرت أكثر من 90% من المدينة. ويتوقع المحللون على غرار ما حصل في حلب والغوطة الشرقية وحمص، أنها مسألة وقت فقط قبل أن تستسلم القوات الأوكرانية تحت الضغط.

وفي أجزاء أخرى من البلاد، انتقل القادة العسكريون الروس بالفعل إلى المرحلة الثالثة، قاموا خلالها بتوحيد القوات والتحرك لاحتلال المناطق الناطقة باللغة الروسية في شرق أوكرانيا. ويأمل بوتين من خلال إعادة تركيز قواته البرية في الافادة من قوة القوات الانفصالية الموالية لروسيا في دونيتسك ولوهانسك قبل نقل القوات غرباً. واختبرت تقنية “فرق تسد” هذه أيضاً في سوريا، حيث عزز الأسد سيطرته أولاً في المناطق التي يسيطر عليها العلويون في دمشق، ثم انتقل لاحقاً إلى المناطق المتنازع عليها، وشارك في التطهير العرقي ونقل السكان باستخدام الحافلات الخضراء و”ممرات إنسانية” لاخراج الفصائل المتمردة وأنصارها. ومن خلال وضع نموذج الحصارات المتتالية في الاعتبار، يمكن للأوكرانيين أن يتوقعوا أن تضاعف القوات الروسية تكتيكات الحصار في شرق أوكرانيا. وفي حال نجحت الاستراتيجية، ستتمكن روسيا من استخدام شرق أوكرانيا كنقطة انطلاق لمزيد من المكاسب الاقليمية في المستقبل.

وعموماً، يشير احتضان روسيا لحرب المرحلة إلى أن بوتين مستعد لتحمل الخسائر قصيرة الأجل في خدمة المكاسب الاقليمية طويلة الأجل. ويعتقد انطلاقاً من تجربته في سوريا أن خسارة القوات الروسية والتنديد الدولي قد يتسببان ببعض التأخير على المدى القصير، لكنهما لن يعرقلا استراتيجيته.

أما ديبلوماسياً، فتسطر ثلاثة أنواع من السلوك الديبلوماسي من السجل الروسي في سوريا ذات صلة خاصة بأوكرانيا: عدم احترام الصفقات الدولية عموماً وانتهاك وقف إطلاق النار واستخدام حق النقض الروسي في مجلس الأمن لتهديد المساعدات الإنسانية. وإذا كان سلوك روسيا في سوريا يمثل أي مؤشر، فهناك أمل ضئيل في أن يكون الديبلوماسيون الروس شركاء موثوقين في أي مفاوضات دولية تهدد المكاسب الاقليمية لروسيا أو مصالحها القصوى في أوكرانيا”.

شارك المقال