فساد “حزب الله” ليس “ترند”

عالية منصور

في لبنان لم يعد الـ”ترند” حكراً على وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تعد وسائل التواصل حقيقة وسيلة للتواصل، بل باتت في كثير من الأحوال ملهاة للناس وخصوصاً لأصحاب الذاكرة قصيرة المدى.

وليس من وقت أنسب للتحكم بالـ”ترند” الذي يسيطر على تفكير اللبنانيين من زمن الانتخابات التي يحاول البعض جعلها معركة تحرير لبنان من ايران، فيما يحصر معركته في الوقت نفسه بخطابات شعبوية ويتجاهل ما يملكه هو نفسه من معلومات موثقة وما يعرفه الجزء الأكبر من اللبنانيين عن سبب المشكلة التي أدت بلبنان الى هذا الانهيار الذي يعيشه على جميع الصعد وليس الصعيد المالي والاقتصادي والمعيشي وحسب.

مواضيع كثيرة وملفات كبيرة ثبت بالدليل القاطع تورط “حزب الله” فيها بالفساد وكلفت الدولة اللبنانية مليارات الدولارات ناهيك عن التسبب حتى بأضرار صحية وبيئية، ومع هذا نكاد اليوم وفي خضم الحملات الانتخابية لا نسمع عنها شيئاً حتى من أشد المرشحين خصومة لـ”حزب الله”.

فأين أصبح ملف تهريب المحروقات المدعومة الى سوريا؟ أين صار ملف التهريب عموماً إن عبر المعابر الشرعية أو المعابر غير الشرعية وكلها تحت سلطة “حزب الله”؟

فقد سبق واعترف الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله بسيطرة حزبه على المعابر غير الشرعية، بل وأبعد من ذلك اعترف أحد المقربين من الحزب وهو الشيخ صادق النابلسي بالأمر في مقابلة تلفزيونية، واعتبر أن “التهريب جزء لا يتجزأ من عملية المقاومة والدفاع عن مصالح اللبنانيين”، مبرراً الأمر بأنه “تحت الضغط الأميركي والعقوبات الأميركية، على الشعبين اللبناني والسوري كسر بعض القوانين من أجل تأمين احتياجاتهم المعيشية”.

وفي وقت كان اللبنانيون يعانون من أسوأ أزمة مالية واقتصادية ومعيشية، وبينما كانت حكومة حسان دياب تستنزف ما بقي من عملة أجنبية في مصرف لبنان من خلال عملية دعم مواد أساسية وغير أساسية، كان “حزب الله” يقوم بتهريب الكثير من هذه المواد الغذائية والمحروقات الى سوريا.

كان اللبناني يقف في الطابور ساعات طويلة للحصول على بضع ليترات من المحروقات، بينما الحزب يقوم في وضح النهار بتهريب المحروقات المدعومة من أموال اللبنانيين الى نظام الأسد ليستفيد منها، وكانت صور اللبنانيين على طوابير البنزين تتزامن مع صور شاحنات تنقل البنزين المدعوم الى سوريا. رفع الدعم، اختفت الطوابير كما اختفت أموال اللبنانيين، ولم يعد تهريب المحروقات “ترند” فلا أحد يذكره الا ما ندر على الرغم مما تسبب به الأمر من خسائر فادحة.

وفي الواقع، لم يبدأ التهريب مع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان ولم ينته برفع الدعم عن جميع المواد تقريباً. فالمعابر الشرعية وغير الشرعية تعد من أبرز عوامل الهدر والفساد في لبنان، وقدرت خسائر خزينة الدولة من الرسوم الجمركية نتيجة التهريب عبر المعابر غير الشرعية بنحو 600 مليون دولار. حتى أن وزير المالية السابق المحسوب على حركة “أمل” (حلفاء “حزب الله”) ذكر في إحدى جلسات مجلس الوزراء أن عدد هذه المعابر “أكثر من 136 معبراً غير شرعي”.

وبطبيعة الحال في لبنان،فإن معظم هذه المعابر تقع تحت سلطة “حزب الله” وسيطرته، وهي ليست حكراً على تهريب السلاح ومقاتلي الحزب من وإلى سوريا وحسب، بل أيضاً لتهريب البضائع من سوريا إلى لبنان، ومن لبنان الى سوريا، وما نتج عن ذلك من خسائر كبيرة لقطاع واسع من اللبنانيين.

وكما المعابر غير الشرعية، كذلك يعرف اللبنانيون تماماً كيف يسيطر “حزب الله” على المعابر الشرعية، وهل من أمر موثق أكثر من غزوة 7 أيار رفضاً للمساس برئيس جهاز أمن المطار حينها العميد وفيق شقير؟

فمن خلال المعابر الشرعية يمسك “حزب الله” بملف التهرب الجمركي الذي كان يتم عبر مرفأ بيروت، ومطار رفيق الحريري الدولي، فكما يستخدمان لنقل الأسلحة من إيران وتهريب المخدرات، كذلك يستخدمان لإدخال الكثير من البضائع لتجار محسوبين على الحزب، من دون أن تمر على اللجان المعنية لفحص جودتها ومدى مطابقتها للمواصفات، ولا على الجمارك لدفع الضرائب للدولة اللبنانية.

ماذا عن تجارة المخدرات وتهريب الكبتاغون ووقف صادرات لبنان الزراعية الى معظم الدول العربية؟ ماذا عن استغلال القطاع المصرفي قبل انهياره بعمليات “حزب الله” المشبوهة لتبييض الأموال وتهريبها بوسائل غير شرعية؟

على الرغم من أن هذه المعلومات موثقة ومعروفة للقاصي والداني، كما ملف الأدوية الفاسدة، وملف إدخال الدواء الايراني من دون خضوعه لأي من شروط الجودة والسلامة التي تخضع لها باقي الأدوية المستوردة من أي دولة أخرى، الا أنه وفي زمن الانتخابات غاب عن بال الكثيرين التذكير بها، علّ الذكرى تنفع الناخبين الذين دفعوا ثمن فساد “حزب الله” من صحتهم وصحة أولادهم وأموالهم. فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، اذ كلفت وتكلف لبنان الكثير، وليست “ترند” يتم الحديث عنه في لحظة وتناسيه في لحظات!.

شارك المقال