أبرز عناوين اليوم التالي للانتخابات حياد لبنان

وليد شقير
وليد شقير

انحسرت التعبئة الانتخابية التي ملأت الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي في الساعات الماضية وتركز الاهتمام لدى عامة اللبنانيين على ما ستحمله صناديق الاقتراع من نتائج والأهم، من مفاجآت سيفرضها وقوف الكثير من الناخبين في المنطقة الرمادية، والذين سيتوزعون بين البقاء في منازلهم وبين الانحياز الى القوى التقليدية وصراعاتها، التي تتميز في هذه الدورة بأنها تطرح خيارين: مع “حزب الله” وحلفائه وتوجهاته الإقليمية ودوره في السلطة في السنوات المقبلة، أو مع التوجهات السيادية التي ترفض سطوة السلاح على الحياة السياسية وتخوض معركة مقاومة إعادة تكوين السلطة على شاكلة القائمة حالياً إن على الصعيد الحكومي أو على الصعيد الرئاسي.

لكن ما يجب عدم إهماله في استشراف الاتجاهات التي قد يذهب إليها اللبنانيون الذين ظلوا في المنطقة الرمادية، أن عدداً لا يستهان به منهم قد يلجأ، في حال قرر الخروج من تردده، إلى تأييد اللوائح التغييرية، بدل اختيار لوائح “حزب الله” وحلفائه، أو السياديين من قوى ١٤ آذار سابقاً. والخيار الثالث الذي قد يعتمده جزء من المترددين، هو التصويت العقابي للزعامات السياسية التي تصاعدت النقمة عليها بعد ١٧ تشرين ٢٠١٩ والذي قد يفتح الباب على مفاجآت في ظل تعدد اللوائح في بعض الدوائر، وبسبب قانون الانتخاب الذي يفتح المجال بفعل النسبية وكسر الحاصل الانتخابي، لاختراق لوائح القوى التقليدية المتقابلة في هذه الدائرة أو تلك.

ترقب المفاجآت التي يمكن أن تنجم عن التصويت العقابي يستبعد طبعاً إمكان اختراق لوائح الثنائي الشيعي في الجنوب والبقاع وبيروت، بل يمكن أن يطال حلفاءه المسيحيين والسنة، والعكس صحيح بالنسبة إلى القوى التقليدية السيادية.

إلا أن الأهم الذي يشغل تفكير بعض النخب السياسية التي تحاول استشراف ما سيحمله اليوم التالي للانتخابات، مهما كانت النتائج وحسابات الربح والخسارة وطبيعة الأكثرية التي ستنشأ، هو التموضع السياسي اللبناني في المرحلة المقبلة استناداً إلى التحولات الخارجية سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الإقليمي.

أبرز التحديات التي سيستفيق عليها اللبنانيون بعد الانتخابات والتي ستؤثر على علاقة البلد بالمجتمع الدولي والمساعدة التي يفترض أن يتلقاها منه للخروج من أزمته الاقتصادية المالية، يكمن في عمق الفرز السياسي الناجم عن الحرب في أوكرانيا. فدول الغرب، أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، باتت بعد المواجهة بينها وبين روسيا في أوكرانيا تتشدد في طلب الانحياز إليها في تلك المواجهة، وصار المزاج الأوروبي – الأميركي يتصرف على قاعدة، إما معنا أو ضدنا. بل ان دولاً أوروبية كانت عادة تفصل بين تقديمها المساعدات الإنسانية للدول المحتاجة وبين الموقف السياسي، تتجه إلى الربط بينهما نظراً إلى المخاوف الأوروبية من اندفاع القيادة الروسية نحو تطويع بعض دول الاتحاد السوفياتي السابق، وجعلها تدور في فلك موسكو. ويعني ذلك بالنسبة الى دول أوروبا الغربية أن الرئيس فلاديمير بوتين يسعى إلى السيطرة على أوروبا أو على الأقل إلى تقسيمها. وتعتبر بالتالي أن مواجهة أهدافه مسألة حيوية بالنسبة اليها، إلى درجة أن دولاً اعتمدت الحياد مثل فنلندا والنمسا تتجه نحو الانضمام الى حلف الناتو. وفي المقابل فإن الفريق النافذ في لبنان أي “حزب الله” سيتمسك بسياسة التوجه شرقاً التي كان دعا إليها من أجل معالجة الأزمة المالية الاقتصادية، وينتظر أن يدفع لبنان للانحياز إلى موسكو في مواجهة مطالب الغرب منه، لا سيما في ظل الجمود الراهن الذي بلغته مفاوضات فيينا حول النووي الإيراني، بسبب رهن طهران أي تقدم فيها برفع واشنطن الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب. فواشنطن باتت تعتمد الموقف الرافض لإقحام طهران أي ملفات أخرى غير النووي في مفاوضات فيينا، بعدما رفض المفاوضون الإيرانيون مناقشة برنامج بلادهم للصواريخ الباليستية وتدخلاتها الإقليمية.

تطرح حساسية الموقف اللبناني من المواجهة الغربية – الروسية في أوكرانيا مجدداً عنوان حياد لبنان، الذي أطلقه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وعاد فذكر به أول من أمس، معتبراً أنه البند الرئيس الذي يجب السعي إليه بعد الانتخابات.

ويلفت بعض المراقبين إلى التطورات الحاصلة في سوريا، للدلالة على مرحلة ما بعد الانتخابات، سواء حصل الحزب على الأكثرية أم لا. فالانحياز السوري الى موسكو في حرب أوكرانيا وانشغال روسيا بالحرب وتكبيدها الخسائر الاقتصادية جراء العقوبات الأميركية والأوروبية، خفّض أي إمكانية لمساعدة سوريا في مواجهة أزمتها الاقتصادية الخانقة في وقت تراكمت ديون دمشق لمصلحة الجانب الروسي، ما دفع رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى طلب المساعدة الإيرانية خلال زيارته إلى طهران الأحد الماضي. والأخيرة استجابت لطلبه، على أمل تعزيز نفوذها من البوابة الاقتصادية أكثر مما هو عليه الآن، إضافة الى تعزيز وجودها العسكري عبر ملئها فراغ الانسحابات الروسية من مواقع محددة في الميدان السوري، جرى تسليمها ل”حزب الله”والميليشيات العراقية والأفغانية الموالية للحرس الثوري الإيراني. وعودة طهران إلى الانغماس في الوضع السوري الداخلي، في ظل انكفاء روسي نسبي، فتح أعين إسرائيل على الميدان السوري أكثر فأكثر، وهو الأمر الذي يفسر تكثيف الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية وللحزب وخصوصاً في محافظة القنيطرة المتاخمة للحدود مع الجولان السوري المحتل.

سيزداد تورط “حزب الله” في سوريا، في شكل يعيد الى الواجهة مخاطر توريط لبنان بتداعيات تدخل الحزب في بلاد الشام، مهما كانت المبررات. وقد شهدت سوريا تكثيفاً غير مسبوق للضربات ضد مواقع تواجد الحزب في الأيام الماضية. وفي المقابل سيدفع كل ذلك المطالبين بحياد لبنان وفي مقدمهم البطريرك الراعي إلى رفع الصوت أكثر مما كان عليه قبل الانتخابات النيابية… ومن الطبيعي توقع رفض الحزب هذا الحياد، لأنه يعتبر انغماسه في سوريا هو الحفاظ على الوجود. لكن ذلك يرفع مجدداً المخاطر من مواجهة بين إسرائيل والحزب قد تمتد إلى لبنان.

شارك المقال