الاستحقاقات في ضوء نتائج الانتخابات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ماذا بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي؟ سؤال يطرحه المواطن اللبناني الذي يعيش حال فقر نتيجة انهيار الدولة ورميه في الجحيم، وربما السؤال الأهم هل سيتغير واقع الحال وهل ستفرز صناديق الاقتراع سلطة تحقق تغييراً ما وتنقذ البلد من الوضع المأساوي أم ستعود الطبقة السياسية نفسها التي أدارت البلد سابقاً وتسببت بأزماته؟ وهل ستنجح قوى المال والسلاح في فرض نفسها في السلطة من خلال الانتخابات واستغلال وضع الناس المعيشي من خلال شراء ذمم البعض بـ “بون” بنزين أو صندوقة مواد غذائية أو مبلغ بسيط من المال؟

لا شك أن الانتخابات بطابعها الديموقراطي، اعتبرت فرصة للمواطن من أجل التغيير والحفاظ على الدولة في وجه مشاريع الدويلة التي تسخر قدراتها لمصالحها الخاصة ولا تقدم المصلحة العامة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية وإعادة بث الحياة في صدور اللبنانيين المنهكين.

وبرأي مراقبين فان هذه الانتخابات لا بد أن “تشكل فرصة لتأكيد حصولها بشكل دوري في مواعيدها الدستورية من دون تأجيل أو محاولات من الأطراف السياسية للالتفاف عليها والمماطلة في إنجازها بحجج واهية ووضع العراقيل لتعطيلها إن لم تناسب مخططات البعض”.

ويرى بعض الناشطين السياسيين أن “الاقتراع كان نقطة فاصلة في حياة اللبنانيين، كونه الرد الفعلي على جريمة 7 أيار التي ارتكبت بحق العاصمة بيروت وعلى جريمة تفجير المرفأ وعلى تخوف المتهمين من الذهاب الى التحقيق بهذه الجريمة وغيرها والذي سيثبت تورط الكثيرين وادانتهم وسيؤدي الى حماية الدولة واعادة الاعتبار اليها، وعدم ضرب هياكلها ومؤسساتها القضائية والمصرفية والأمنية والتعليمية والطبية، وقد يوصلنا الى طبقة سياسية جديدة تحمل مشاريع وطنية اصلاحية بعيداً من الزبائنية والمصالح الضيقة لشخصيات وأحزاب سياسية تريد الافادة من وجودها في الدولة من أجل تمرير مصالحها الشخصية”، لافتين الى أن “التركيبة الديموغرافية والمذهبية التي يتمتع بها لبنان تؤكد أهمية تمثيل الجميع في البرلمان، الا أن السؤال هو كيف سيكون وجود هؤلاء فيه؟ هل ستكون العملية الانتخابية لاعادة تعويم الأكثرية التي أعلن عنها أنها أكثرية قاسم سليماني؟ بالطبع لا، إذ يجب التغيير في البرلمان، وهنا يمكن الملاحظة أن هناك مجموعة سيادية تطالب بسيادة لبنان وإعادته الى دوره ومكانه الطبيعي ضمن انتمائه الى العرب والعالم، وهناك مجموعة تقول بأن لبنان موجود ضمن محور الممانعة التي يجب أن تأسر لبنان لتضعه في مكان التفاوض الأميركي – الايراني. واضح أن ايران بحاجة الى لبنان كورقة لاستخدامها خاصة عندما تتعثر المفاوضات حول سلاحها النووي، ولذلك نراها مصرة على أن يكون حزبها في لبنان هو المسيطر لتحقيق مصالحها”.

وبعيداً من هذا التقويم بين قسمي الصراع الانتخابي الذي طبع المعركة، الممانعة والسيادة، يرى هؤلاء الناشطون “إيجابية في دخول شخصيات مستقلة جديدة من المجتمع المدني، خاضت الاستحقاق وحملت توجهات تغييرية رافضة لسيطرة السلاح وسطوته على الدولة، وفي حال الفوز قد تشكل كتلة صغيرة، فالصراع الانتخابي الحاد بينها وبين قوى السلطة كان على حوالي 20 مقعداً واذا اكتسبتها يمكن لها التحالف مع السياديين وذلك قد يضع الدويلة في خطر كون البرلمان الجديد ليس لمصلحتها كما عملت له”.

ويشيرون الى أن “حزب الله يسعى الى مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة شبيه بالرئيس حسان دياب، وسيلعب لعبة الأكثرية البرلمانية الديموقراطية في تسمية رئيس الحكومة المقبل، أي من معسكر الممانعة وليس مستغرباً أن يطرح اسماً من جمعية المشاريع (الأحباش) التي نشطت على أرض الانتخابات ممولة، بتبرير أن لديها كتلة برلمانية وتمثل السنة وهو أمر خطير يؤشر الى سقوط لبنان مجدداً بأيدي أجهزة المخابرات السورية وايران”.

ويعتبر هؤلاء الناشطون أن “وصول الأحباش الى منصب رئاسة الحكومة سيعني بالطبع عدم الاكتفاء بهذا المنصب وإنما سيترك أثره على هيمنة هذا التنظيم وسطوته على مواقع سنية في الوظائف والادارات العامة ومناصب الدرجة الأولى ورؤساء الاجهزة، وبالتالي سيصبح الجميع تحت سطوة حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر وستتغير وجهة الدولة من خلال السيطرة على المناصب في مجلس القضاء الأعلى والمحاكم والبنك المركزي والأجهزة الأمنية والمدراء العامين والبلديات، والقول بأن الرئيس الجديد للحكومة يريد أن يغيّر كل التركيبة السياسية وصولاً الى العملية المعتادة بعد انتخاب كل رئيس بحيث يتغير الطاقم الديبلوماسي، وهذا الأمر سيكون لمصلحة الممانعة وايران، وبالتالي كل هذا الاطار الرسمي سيعمل به وفقاً لتوجهات الحاكم غير المباشر للبنان وهو المرشد الأعلى للدولة اللبنانية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله”.

وبعد الاستحقاق النيابي هناك انتخابات رئاسة الجمهورية، وفي آذار الماضي كان هناك جس نبض لانتخاب رئيس على أن يبقى الرئيس الحالي ميشال عون حتى انتهاء ولايته، لكن وجود جبران باسيل في القصر لا يسمح بادارة هذه الانتخابات وسيعمل على تعطيلها، وبالتالي تم التسليم بخيار استمرار عون حتى انتهاء ولايته حتى لو حصل فراغ محدد. وستكون الورقة الأقوى خروج عون وصهره من القصر على الرغم من الفراغ حتى تتضح صورة التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، ولذلك تم الذهاب نحو الانتخابات، ولا شك أن للدول العربية دوراً مميزاً في ذلك، لا سيما أن السنة هم بيضة القبان التي يمكن أن تغير وتواجه عملية المشروع الايراني، ومشروع “حزب الله”.

ويشير متابعون الى أن “مهمة البرلمان العتيد صعبة لأنها ليست تصفية حسابات ومناكفات وحسب، انما صراع بين مشروعي الدولة والدويلة، مشروع الدولة هو مشروع الكتلة السنية الكبرى، وهنا يمكن القول إن سعد الحريري كان له موقف مميز عندما اعتكف واعتذر من الجمهور، لأنه لن يستطيع تحسين الحالة الاقتصادية للناس والسبب ارتباط هذا البلد مباشرة بمشاريع حزب الله، الذي أخذنا الى عداء مباشر مع العرب واتخذ من لبنان منصة لشتمهم. وفي النهاية لا بد من وضع حد لهذا السلوك المضر بلبنان وهذا يتطلب توجهات واضحة من الحكومة العتيدة في هذا الاطار، لذلك هناك أهمية في التوصل الى تشكيل أكثرية ليست بيد حزب الله، وهو أمر سيتضح بعد فرز صناديق الاقتراع على أمل الخروج بأكثرية، تدعو الى تشكيل حكومة قادرة على إقرار مشاريع اقتصادية بالتوافق مع البنك الدولي والحصول على مساعدات تؤمن حماية المؤسسات وتوفير امكانات للشعب اللبناني حتى يبقى في أرضه، حتى لو كانت حكومة تصريف أعمال تؤمن اتفاقات وتحضر لمشاريع وتعكس وجه الانفتاح اللبناني نحو العالم العربي وليس نحو أميركا أو روسيا أو ايران”.

شارك المقال