هل من يستمع الى أصوات المقاطعين؟

عالية منصور

أما الآن وقد وضعت الانتخابات أوزارها، يستطيع المراقب أن يقول وبكل ثقة إن الانتخابات كان عنوانها الأساس سعد الحريري والطائفة السنية.

على مدى أسابيع من الحملات الانتخابية للأحزاب “التقليدية” تحديداً، لم نسمع منها الا دعواتها للطائفة السنية الى المشاركة الكثيفة في الانتخابات، مع العلم أن رئيس تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري عندما أعلن عدم مشاركته في الانتخابات هو وتياره وتعليقه العمل السياسي لم يطلب من أحد مقاطعتها، بل وكأي حزب أو تيار يتخذ قراراً سياسياً، طلب ممن يريد أن يترشح ألا يفعل باسم التيار، أليست هذه أصول العمل الحزبي؟ الالتزام؟

أيام وأسابيع لم تتوقف الحملات والضغوط على جمهور تيار “المستقبل”، “السني” تحديداً، اتهم من يريد المقاطعة بالخيانة، ولو استمرت الحملات أياماً بعد من يدري إن كان سيخرج علينا من يكفّر المقاطعين؟

في الأنظمة الديموقراطية الاقتراع حق ديموقراطي والورقة البيضاء حق ديموقراطي، والمقاطعة أيضاً حق ديموقراطي، وأصحاب نظريات التخوين لا علاقة لهم بالعمل الديموقراطي، فمن لا ينفذ تعليماتهم ويوافقهم الرأي هو عميل، تماماً كأسلوب “حزب الله” الذي يعارضونه.

والادعاء أن التصويت هو لمنع حصول “حزب الله” على الأكثرية غير صحيح، فغالبية من كانت تطالب السنة بالتصويت كانت تقول لا يهم لمن تقترع ولكن المهم أن تقترع، أي أن المطلوب فقط هو الاقتراع… الاقتراع ضد من؟ ضد سعد الحريري ليظهر وكأن تعليقه العمل السياسي ليس ذا أثر على بيئته.

وحتى من كان يعيب على “حزب الله” استغلاله للدين وإصداره تكليفاً شرعياً للتصويت، هرول الى دار الافتاء يطلب ما يشبه التكليف الشرعي لحث الطائفة السنية على المشاركة.

جاءت النسب الأولية للمشاركين والمقاطعين صادمة، لم يقاطع السنة وحدهم بل كانت مثلاً النسبة الأولية للتصويت في بيروت الأولى ذات الغالبية المسيحية أقل من 30%، هل قاطع المسيحيون أيضاً كرمى لعيون سعد الحريري؟ طبعاً لا.

سيخرج الكثيرون ليضعوا اللوم على “المستقبل” والحريري، سيتهمونه بتسليم لبنان الى “حزب الله”، متجاهلين أن المقاطعة أتت من جميع المناطق والطوائف، وأن قانون الانتخابات الطائفي الأعوج سبق وأعطى كتلة سنية لـ”حزب الله” حتى عندما شارك تيار “المستقبل” في انتخابات 2018، متناسين أن الدعوات للمقاطعة أيضاً ترافقت مع انتخابات 2018، وأن “حزب الله ” وحلفاءه حصلوا على 5 نواب في بيروت الثانية في انتخابات 2018، ومتجاهلين أيضاً أن “حزب الله” ليس بحاجة الى أكثرية نيابية ليسيطر على البلد، هو سبق وسيطر بصواريخه وسلاحه وقمصانه السود، وسبق وسيطر يوم وافق الجميع على اعطاء فرصة لحكومة حسان دياب أو مشاركة مقنعة مع حكومات يسمّي رئيسها “حزب الله”.

التغييريون حتى وإن دخل بعضهم المجلس، لم يثبتوا أنهم حالة شعبية بدليل نسب المقاطعة أيضاً في كل لبنان. يمكن القول ان الجنوب وحده حاول خوض معركته ولو لم ينتصر، فقد بدأت حالة اعتراض على الثنائية الشيعية تتشكل وتتجرأ، لا من منطق “قوم لاقعد محلك” ولكن من منطلق نحن أيضاً لبنانيون ولسنا مجرد “شيعة الثنائي”.

على كل سنسمع لأيام وأسابيع وممكن لأشهر أن الحريري هو السبب، ولكن هل من يعقل ويتفكر كيف وصل لبنان الى ما وصل اليه؟ وهل من عاقل يقول ولو همساً إن ايران من خلال “حزب الله” لم تسيطر على بيروت الثانية فقط، بل يتباهى مسؤولوها بسيطرتهم على أربع عواصم عربية؟ فهل هذه أيضاً من أخطاء سعد الحريري وخطاياه؟

من قاطع ليس جمهور تيار “المستقبل” ومحبو سعد الحريري وحسب، من قاطعوا هم من لم يقنعهم التغييريون الذين لم تقدم غالبيتهم أي مشروع جدي الا “محاربة المنظومة وبناء الدولة”، كيف؟ غالبيتهم لم تقدم مشروعاً للوصول الى هذا الهدف.

من قاطع هو أيضاً جمهور أحزاب انشغلت في الأسابيع الماضية بمقارعة الحريري الذي علق عمله السياسي، وانشغلت بجمهوره فنسيت جمهورها.

من قاطع هو من يدرك أن مسألة سلاح “حزب الله” و”الاحتلال الايراني” للبنان أكبر من قدرة اللبنانيين، وأن من رفع شعارات شعبوية قد جُرب ولم يواجه وقت الجد.

المقاطعة ليست مقاطعة للتغيير، بل من الممكن أن تكون مقاطعة للتبعية والتجييش، فالناس لم تعد تقنعها الشعارات الرنانة، ولا خلافات الزعماء ولا إقحام رجال الدين في خياراتها.

لقد قال اللبنانيون كلمتهم، فهل من يسمع؟

شارك المقال