معركة حكومية حامية… والحاصل الأعلى لتصريف الأعمال

هيام طوق
هيام طوق

لطالما رأى الخبراء الاقتصاديون أن الانتخابات النيابية محطة فاصلة عن الانهيار الكامل باعتبار أن المسؤولين استخدموا إبر مورفين لمنع الأوضاع من الانزلاق السريع والارتطام الكبير لتمرير الانتخابات، لكن المؤشرات والأرقام تنذر بانفجار اجتماعي، وبشائره بدأت بالظهور حتى قبل اعلان النتائج الرسمية للانتخابات من ارتفاع سعر صرف الدولار، والقفزة النوعية لسعر صفيحة البنزين مع التهويل بعودة الطوابير الى سابق أيامها المذلة، والتحذير من نفاد مخزون الطحين وتوجه الأفران الى الاقفال، وانقطاع العديد من الأدوية ورفع الدعم عن بعضها.

واقع مرير لا يمكن الهروب من تداعياته، إلا أن الأمَرّ بحسب بعض المحللين يتعلق بالواقع السياسي بحيث يمكن القول “راحت السكرة وإجت الفكرة”، والخوف كل الخوف من انتقال التشنجات والنكايات التي رافقت الحملات الانتخابية الى داخل البرلمان الذي تنتظره تحديات كبيرة، وكل الأنظار متجهة الى كيفية تعاطي التكتلات النيابية المتشعبة مع الاستحقاقات الدستورية الكبرى ومنها تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جمهورية في تشرين الأول المقبل في ظل انقسام عمودي بين الجهات السياسية المتشبثة بمواقفها انطلاقاً من أن مرحلة التسويات لتمرير الاستحقاقات لم تعد سارية المفعول.

ويمكن اعتبار الاستحقاق الحكومي أول اختبار للمجلس الجديد الذي وُصف بلوحة “موزاييك برلماني” ما يعني أن تشعب الاصطفافات وكثرة الانقسامات وعمق الخلافات بين أعضائه، تجعل من تشكيل الحكومة أمراً مستبعداً خصوصاً أن فريق “حزب الله” يريدها حكومة وحدة وطنية فيما الفريق المعارض يريدها حكومة مستقلين واختصاصيين للنهوض بالبلد. هذا اذا أسقطنا من الحساب مرحلة شد الحبال في تقاسم الحصص الوزارية التي كانت تنسف الحكومة أو تعرقل تأليفها على مدى أشهر.

وترى بعض الأطراف السياسية أنه سيُعاد تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي الذي عمل خلال فترة رئاسته حكومة “معاً للإنقاذ” على أساس عودته رئيساً للحكومة الجديدة مع بعض التعديلات الطفيفة في الأسماء خصوصاً أن الوقت يداهم الجميع، بحيث أن العبَر من تأليف الحكومات تقول إن الفراغ على هذا الصعيد صاحب الحظ الأوفر على مدى أشهر طويلة. إلا أن بعض المحللين يؤكد أن من الصعب جداً التوصل الى تشكيل حكومة لاعتبارات عدة باتت معروفة، وليس مستبعداً أن تستمر حكومة تصريف الأعمال الى حين الاستحقاق الرئاسي بانتظار التدخل الدولي اما من خلال مؤتمر أو طاولة حوار أو اتفاق ما يسهّل أمور تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس للجمهورية لأن كل الدلائل تشير الى صعوبة تمرير الاستحقاقين من دون رعاية دولية.

وفي تصريح لموقع “لبنان الكبير”، اعتبر النائب علي درويش أن “علينا الانتظار لنرى من ستسمّي الكتل النيابية رئيساً للحكومة، كما علينا انتظار موقف من الرئيس نجيب ميقاتي إن كان يرغب في ترؤس حكومة جديدة أم لا. حالياً تدرس الخيارات المقبلة علماً أن الرئيس ميقاتي لا يريد التنصل من أي مسؤولية ولكن هناك قراءة متأنية للواقع”.

ولفت الى “ضرورة انتظار بلورة صورة المجلس الجديد لا سيما أن هناك عدداً من النواب الجدد بحيث تغيّرت موازين القوى في البرلمان والتي لها انعكاساتها على الواقع السياسي”، مشدداً على أن “الأولوية للنهوض بلبنان لأن الواقع صعب جداً، والأزمات تتراكم، وهذا يتطلب وحدة الصف على المستوى الوطني، ورؤية مشتركة لدى القوى السياسية للخروج من الأزمات”. وأشار الى “توازنات معينة في تأليف الحكومة بحيث يكون فيها وزراء اختصاصيون لديهم القدرة على ادارة الملفات مع حصانة سياسية”.

من جهته، قال المحلل والكاتب السياسي توفيق شومان: “قبل العملية الانتخابية كانت الحظوظ الى جانب الرئيس ميقاتي والتقديرات تقول إن أي حكومة مقبلة ستكون نسخة عن الحكومة الحالية، وبالتالي أي شخصية أخرى يجب أن تكون وجهاً آخر عن الرئيس ميقاتي. أما الآن، فالأمور تبدلت وانخفضت أسهم اعادة تسميته لتشكيل حكومة جديدة لأن الوجوه التي نجحت في طرابلس وعدم حصوله على كتلة نيابية، أدّى الى تراجع هذه الحظوظ. الوجوه النيابية معظمها مخاصمة للرئيس ميقاتي وهذا لا يساعده. وبالتالي، قد يخرج الكثيرون من النواب الجدد وحتى من مؤيديهم الى الشارع ويعترضوا على اعادة تسميته”. ورأى أن “الجو في طرابلس بعد الانتخابات مختلف تماماً عما قبله، وأي رئيس حكومة يجب أن يحظى بحيثية شعبية وبحد أدنى من الحيثية النيابية، وهذا المعطيان غير متوافرين الآن لدى الرئيس ميقاتي”.

وتوقع “معركة حامية ستنشب على طريقة اختيار رئيس الحكومة المقبل”، مرجّحاً “أن تستمر الحكومة في تصريف الأعمال”. وأعرب عن خشيته من “عدم توافق القوى السياسية على تسمية رئيس للحكومة الجديدة، وبالتالي، نصبح أمام حكومة تصريف أعمال، ونصل في الوقت نفسه الى الاستحقاق الرئاسي، ونصبح أيضاً أمام فراغ رئاسي، فيكون المشهد حينها وفق التالي: حكومة تصريف أعمال وفراغ رئاسي”، موضحاً أن “المعطيات حالياً تؤشر الى هذا المنحى السلبي، ولكن أمامنا 3 أسابيع وربما تتغير في هذه الفترة بعض المعطيات، لكن حالياً كل المؤشرات سلبية وتدل على أن الأمور متجهة الى حكومة تصريف أعمال نتيجة عدم توافق القوى السياسية”.

أضاف: “نحن نتكلم وفق المعطيات الحالية اذ يمكن أن تدخل في أي لحظة معطيات جديدة تقلب المعادلات في اللحظة الأخيرة. فقبل العملية الانتخابية كان يقال إن هناك دوراً فرنسياً مرتقباً في لبنان تحت عناوين متعددة منها رعاية حوار وطني لبناني بمشاركة أطراف اقليمية. بعد الانتخابات واكتمال الشرعية الدستورية لمجلس النواب، من المفترض أن يتحرك الفرنسيون خصوصاً بعد نجاح الرئيس ايمانويل ماكرون في تجديد ولايته الرئاسية. وبالتالي، السياسة الفرنسية التي كان يقودها ماكرون قبل انتخابه لولاية رئاسية جديدة ستتابع تجاه لبنان وتحريك ملفه. هذا أمر متوقع لكن في الوقت نفسه ربما يكون بحاجة الى تذليل العديد من العقبات على المستوى الاقليمي والدولي لأن التحرك الفرنسي قد يكون مصحوباً بعوامل اقليمية”.

وتابع: “على المستوى الداخلي، الوضع الآن متشنج على المستوى السياسي وهناك حالة رمادية وضبابية تجاه 3 استحقاقات: انتخاب رئيس مجلس النواب وتسمية رئيس الحكومة ثم انتخاب رئيس جمهورية. هذه الاستحقاقات اذا لم تكن هناك قنوات تواصل محلية في شأنها، فأعتقد حينها أننا ذاهبون الى تشنج. واذا استمر الخطاب السياسي على ما هو عليه فسيؤدي الى اضطراب كما في حال طُرحت عناوين صادمة من بعض الأطراف تجاه أطراف أخرى، ستؤدي الى نوع من الاضطراب. لكن، كل هذا المشهد ينتظر لحظة التئام المجلس النيابي الجديد لمعرفة العناوين السياسية التي يمكن أن يُعمل عليها ولمعرفة الى أي حد القوى السياسية التي دخلت مجدداً الى البرلمان، ستستمر على خطابها الانتخابي وتحوله الى خطاب سياسي دائم أو أنها تفرّق بين الخطاب الانتخابي والخطاب السياسي”. ودعا الى “اعتبار أن اليوم الانتخابي أصبح وراءنا، وبالتالي نحن أمام يوم جديد مما يحتم على القوى السياسية أن تلطف من خطابها السياسي”.

شارك المقال