خطابات ما بعد الانتخابات… توافقات منتظرة لتلافي “الجحيم”؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ما إن تم الاعلان عن نتائج الانتخابات، حتى بدأت الخطابات الاستعراضية من القوى السياسية في السلطة، لتؤشر إلى المرحلة الجديدة، عبر تمرير الرسائل في كل الاتجاهات، لاسيما أن فوز قوى التغيير خلط الأوراق، وكذلك وجود مستقلين أخلّ بأكثرية “حزب الله”، بعد خروج رموز من قوى 8 آذار من المجلس النيابي.

استعراض القوة هذا استمر فيه “التيار الوطني الحر” بلسان رئيسه النائب جبران باسيل، الذي كانت المعارضة والثوار قد عقدوا النية على إسقاطه، فجاء خطابه كالعادة: “نحن أكبر تكتل نيابي، ولا نوضع مع أي تحالف من جهات داخلية أو خارجية، ونحن مستقلون”. ويقول لمؤيديه إن “الثورة عليه مرت”، وتياره لا يزال اليوم مستمراً في مسيرة العهد السياسي الجديد، وأنه أخذ مشروعية شعبية بانتخابه وانتخاب تياره وحلفائه.

تناسى باسيل في خطابه، أنه لم يستطع في الفترة السابقة إيجاد الحلول للأزمات، وكونه معاقباً دولياً، بغض النظر عن أنه بعد انتهاء الانتخابات في 16 أيار، كان قد أعلن عن موقف سياسي مهزوم، بتحويل نفسه إلى “مقاتل في وجه الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب”.

وتجاهل باسيل أنه مع حلفائه لم يستطيعوا الحصول سوى على 62 نائباً في المجلس وأنه خسر الأكثرية النيابية، وهو يعلن موقفاً ضد حكومة تكنوقراط ويريد حكومة سياسية فاعلة. وهذا ما عبّر عنه أيضاً النائب محمد رعد، للالتفاف على الخسارة عبر التأكيد على ما يسمى حكومة وحدة وطنية، وقطع الطريق على الأكثرية النيابية للحكم وإبقاء النهج السابق قائماً، أي حكومة ممسوكة يمكن التلاعب بها وفق أهواء “المرشد”.

في إعلان باسيل الأخير، ترى مصادر متابعة للانتخابات ونتائجها، أنه “سقوط وانتهاء لدوره”، ومرد “هذا السقوط ربما يعود إلى اتفاق جرى من تحت الطاولة، بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وعلى أساسه تم التلاعب بالحواصل”.

لا يمكن إعتبار خطاب باسيل “خطاب نصر”، إذ لم يكن أحد من المعارضين والتغييريين يعتبر أنه على مرمى هدف من إسقاط التيار، ولكن هؤلاء كما تبين أصبحوا جاهزين لتعرية دوره السياسي، مع اقتراب موعد نهاية عهد رئيس الجمهورية، الذي تدخل شخصياً عشية الانتخابات لمصلحة تياره السياسي، متهماً الآخرين باستخدام المال. وظهرت الحقيقة اليوم اذ أن “التيار الوطني الحر” لم يعد ممثلاً للموارنة بكتلة كبيرة، بعدما تلقى صفعة موجعة، خاصة من حلفائه في 8 آذار، ومن الثوار الذين وقفوا وتصدوا وقالوا “إننا نستطيع تفكيك هذا الدومينو”.

وتؤكد المصادر أن “هذا التغيير هو من إنجاز الثورة، التي استطاعت الدخول بقوة من خلال حوالي 15 نائباً (حسب غالبية الاحصاءات). لذلك عمد باسيل إلى تقديم خطاب شعبوي كما الآخرين، لن يعطيه قدرة على الوصول إلى ما كان يبتغيه من دور وقد تلقى صعقة تيار أقوى من تياره، ولن يتم السكوت عنه وعن وزارئه بعد اليوم”.

أما الرئيس نبيه بري فقدم خطاباً تصالحياً، أراد من ورائه اجتذاب من كانوا يساومونه ولا يزالون، وتعتبر المصادر أن خطابه الذي “تضمن حديثاً عن الإصلاح، يتعارض فعلياً مع ما كان يعارضه خلال الفترات السابقة”. وترى أن “بري بدأ فعلياً يشعر بالخوف على موقعه الحالي، وبدا كأنه يرغب في تقديم مساومات كبيرة تضمن إعادة انتخابه رئيساً للمجلس، وهو بصفته العمرية (الأكبر سناً)، سيفتتح الجلسة النيابية الأولى، ويتخوف من عدم حصوله على الحصانة الميثاقية من دون المسيحيين، فأهل البيت مؤَمَّنين، لكن في المقابل لا ثقة بما سيكون عليه الموقف المسيحي، لاسيما وأن خلافاته مع التيار الوطني الحر كانت واضحة خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، أما ما ليس واضحاً فهو ما ستكون عليه علاقته بالقوات، وهل سيحصل التوافق بينهما؟”.

وتضيف المصادر: “ان بري ربما يكون مع مشروع الدولة، ويريد الظهور بأنه يناقض مشروع الدويلة، ما يجعله مهدداً من حليفه حزب الله، الذي يسعى إلى توريث الموقع لشخصية بديلة عنه، وهنا ستفتح أبواب المساومات تحديداً حول شكل الحكومة ومن هو الرئيس المقبل. ويدرك بري أنه لا يمكن له استفزاز الكتلة الشيعية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تركها كي تكون كتلة ضعيفة. وربما لن ينتخب كما جرى في السابق، أي بثمانية وتسعين صوتاً لكي يكون رئيساً ميثاقياً، وقد يرغب في أن ينهي حياته السياسية بانتخابه لهذه الدورة، كما أن من غير المعروف ما إذا كانت القوات ستدخل في مساومة لانتخابه من أجل حساباتها المصلحية، ولكن الظاهر أنه ستكون هناك كتلة شرسة تتعهد بعدم انتخابه”.

وبالنسبة الى خطاب جعجع، الذي اعتمد طوال فترة ما قبل الانتخابات لهجة تصعيدية، باعتبار أنه يعبّر عن موقف المسيحيين، لا سيما الموارنة، تجاه “حزب الله” وتحالف الأقليات، ويؤيد الانفتاح العربي، تشير المصادر الى أن “وراء هذه المواقف لجعجع رسم خطة تضمن له طرقاتها وصولاً آمناً إلى منصب رئاسة الجمهورية، أو إلى باب من يصنع الرئيس الجديد”، لافتة إلى أن “جعجع خاض الانتخابات ليثبت أنه الرقم الصعب، وحاول القول للجميع إذا أردتم حزب الله حزباً سياسياً فعليكم أن تلتفوا حول القوة الكبيرة التي تشكل تهديداً لهذا الحزب مباشرة، وهي كتلة القوات اللبنانية، وربما رأى أن تصرفات الحزب وحركة أمل في غزوة عين الرمانة دفعة مباشرة له، وكونه أظهر نفسه أيضاً الصوت المسيحي العالي ضد الفساد وتحالفه، أي التحالف العوني مع الدويلة، وقرأ أيضاً أن التيار العوني تشرذم في ظل تفرد الصهر جبران بالقرارات، ومن هنا سعى إلى توافق ربما مع حزب الله، على بقاء جبران نائباً، ولكن مع قطع الطريق على وصوله إلى رئاسة الجمهورية، بمعنى أنه وضع نهاية باسيل السياسية”.

وعن خطاب “حزب الله”، تشير المصادر المتابعة إلى الموقف المباشر الذي أعلنه النائب محمد رعد، “اذ كان واضحاً في توجيه تهديدات لنواب التغيير والثورة، بقوله: نقبل بكم كأخصام إذ تمثلتم في هذا البرلمان. ووجه رسالة مباشرة الى القوات اللبنانية من ناحية، ومن ناحية أخرى أن هناك مواجهة قد تصل إلى الفلتان الأمني والاغتيالات إذا حاولتم التضييق علينا والوقوف في وجهنا، ربما لم نستطع السيطرة على الغالبية التي انتزعت من أمامنا عدداً من المقاعد، لكن سلاحنا لا يزال يحمينا وهو بين أيدينا”.

لا شك أن معظم هذه الخطابات يمكن وصفها بأنها خطابات شعبوية موجهة إلى جمهور الأنصار، للقول إن ما سجل في النتائج هو انتصار لهذا الفريق أو ذاك، وقد تعلم اللبنانيون طريقة “حزب الله” بأن تصبح الهزائم انتصارات على طريقة “لو كنت أعلم”، للتهرب من المسؤوليات تجاه عدم وجود أي برامج يعوّل عليها للمعالجة الاقتصادية، ومعرفة كيفية التعامل في المستقبل مع هذا البرلمان، وما هي الشراكات التي ستبنى، أم سيتم التفرد في قيادة البلد بالطريقة نفسها؟ وهنا يطرح السؤال حول المسؤولية الملقاة على عاتق ممثلي “ثورة 17 تشرين” في مواجهة السياسات التي أسفرت عن رمي لبنان في الجحيم؟

يلفت متابعون إلى أن وضع البرلمان المنبثق من الانتخابات الأخيرة، حساس جداً، لاسيما وأن المجتمع الدولي يراقب ويدرك أن عمليات التزوير حصلت “على عينك يا تاجر”، كما استخدم المال السياسي، وكذلك كل ما يمكن من إمكانات بيد السلطة في العملية الانتخابية، إلا أن الصناديق قالت كلمتها في النهاية، على الرغم من محاولات سرقتها وتزويرها وتخريب عمليات التصويت والممارسات المزيفة الاستعراضية التي قام بها “حزب الله” خصوصاً في مناطق هيمنته.

والحديث التعبوي لنصر الله كان الأكثر وضوحاً في هذا المجال، كونه أعطى نوعاً من الـ”Pass” بقوله: “فشروا أن ينزعوا سلاحنا”، وصوّر المعركة وكأنها معركة نزع سلاح “حزب الله” أو عدم نزعه، لأنه كان يريد القول لأنصاره انه إذا لم يحصل على الأكثرية فإن هناك مشروعاً لمحاولة إسقاطه وإسقاط سلاحه.

يبقى أخيراً أن الأنظار ستتركز على كيفية التعامل مع المجتمع الدولي، الذي بات يضع يده جزئياً على لبنان، وأن “حزب الله” تم حصاره، ولا يمكن تجاهل أنه لا بد من أن تكسر نتائج هذه الانتخابات الجليد بين المعارضة والثورة، وإيجاد طرق مشتركة للتعامل مع القبضة الحديدية التي كان يحكم بها “حزب الله” ويسيطر على الدولة، والتعلم من الأخطاء السابقة، وصياغة توافقات من أجل البدء بمسيرة التغيير.

شارك المقال