جميل السيد نيابة بأجنحة مكسورة!

آية المصري
آية المصري

طويت صفحة الانتخابات النيابية التي طال إنتظارها بعدما كثرت التكهنات والحجج من أجل تطييرها، وبات للشعب اللبناني 128 نائباً موزعون بين من هم تابعون للسلطة التي أوصلتنا الى كل هذا الانهيار الكبير الذي أصاب البلد، ومنهم تغييريون، فضلاً عن المعارضة والمستقلين. ولا يمكن الجزم بموضوع “القوى التغييرية” قبل دخولها الى المجلس في 21 الشهر الجاري بصورة رسمية. ولكن ما إن ظهرت نتيجة الانتخابات حتى بدأ الصراخ يعلو من مختلف الاتجاهات. وما حدث في دائرة البقاع الثالثة، بعلبك – الهرمل في كفّة، وبقية الدوائر في كفّة أخرى، مع العلم أنه لم يكن لدى “حزب الله” في بعلبك خصوم حقيقيون، بعدما تبيّن أن التغييريين لا ينسجمون مع بعضهم البعض ومعظهم عبارة عن مناصرين وأتباع للأحزاب ويختبئون تحت عباءة الثورة. اما بالنسبة الى اللائحة المدعومة من حزب “القوات اللبنانية” فكانت تشكل إستفزازاً للائحة “الثنائي الشيعي”.

في السياق نفسه، وبعد ظهور النتائج غرّد النائب المنتخب جميل السيد خارج السرب، فما كتبه على “توتير” يدل على أن “حزب الله” أراد تحجميه بصورة مباشرة وعلنية، وجاء فيه: “من حسن حظ سمير جعجع في دائرة بعلبك -الهرمل أن لائحتنا كان همها نفخ بعض أعضائها بأصوات تفضيلية لتكبير أحجامها بدلاً من تخصيص بعض تلك الأصوات للمرشح حدشيتي بما كان سيؤدي حتماً الى إسقاط المرشح أنطوان حبشي. ومن حسن حظ جعجع أيضاً أنهم نسوه وإلتهوا في المنطقة بتحجيم جميل السيّد”. ثم أتبعها بتغريدة ثانية كتب فيها: “كنت على وشك أن أنسى أخطاء لائحتنا في البقاع التي أدت الى فوز المرشح أنطون حبشي، الى أن علمت صباحاً أن المرشح وليام طوق قد أسقط المرشح اسحاق في بشري، ولعلمي أن سقوط مرشحي دير الأحمر وبشري يساوون عند جعجع لائحة بأكملها، قلت لنفسي: أعان الله سماحة السيد على القريبين قبل البعيدين…”. وما إن نشر السيد التغريدتين حتى إنهالت ضده التعليقات من جمهور “الثنائي” وأنصاره، فمنهم من اعتبر أن “من حسن حظ جميل السيد أنه ترشح مع لائحة الأمل والوفاء كي يفوز بمقعد نيابي”، ومنهم من قال: “حارتنا ضيقة ومنعرف بعض”، وآخر كتب: “في الدورة الماضية حرم غيره من المرشحين الوصول الى الندوة البرلمانية”، فيما أشار ثان الى أن “المسألة مجرد مسألة حواصل لا أكثر ولا أقل”.

وشكلت النتيجة التي حصدها السيد صدمة سلبية لديه، خاصة وأنه نال في الانتخابات الماضية أكثر من 33 ألف صوت في بعلبك – الهرمل، وتفوق يومها على كل زملائه المرشحين في لائحة “الأمل والوفاء” من أبناء بعلبك – الهرمل وأطاح بهم، وأصبح المرشح الآتي من دائرة زحلة الرقم الأصعب، ما جعله يرسم مشروع “الزعامة الشيعية البقاعية”، وبنى مواقفه بأسلوبه الخاص واعتمد على “تويتر” للتعبير عنها. كما حاول إغتنام جميع الفرص للتحدث فيها قبل نواب “الثنائي” الآخرين ونصّب نفسه مكانهم، ما جعل “الثنائي” يعترض على مواقفه هذه، معتبراً أنه من ساعده ووقف الى جانبه وسمح له بالحصول على كل الأصوات التفضيلية، لكن السيد لم يعره إنتباهه واكتفى بتنصيب نفسه زعيماً بقاعياً، متأكداً أن أصواته لن تخذله.

كل هذه الثقة دُفنت بعد صدور النتائج وتبيّان أن السيد لم يحصل على 33,223 صوت تفضيلي كما اعتقد، وهذا ما جعله يتأكد من “المؤامرة الكونية” التي حيكت ضده، خاصة وأن أصوات النائب المنتخب حسين الحاج حسن تجاوزت الـ 22 ألفاً بعدما حصل في العام 2018 على 15,662 صوتاً، والأمر نفسه يسري على غازي زعيتر الحاصل على 22 ألفاً بعدما كانت 17,767، وعلي المقداد على 20,356 بعدما كانت 17,321. وهذه النتيجة توضح أن أصوات السيد في العام 2018 توزعت على المرشحين الآخرين هذا العام، ما يبرهن عدم الانسجام بين أعضاء اللائحة الواحدة منذ اللحظة الأولى، خاصة وأن “حزب الله” أكد قبل الانتخابات والإعلان عن مرشحيه أن السيد شخصية مستقلة، وأشار بيان العلاقات الاعلامية في الحزب يومها الى أن “قرار ترشح النائب جميل السيد أو عدم ترشحه للانتخابات النيابية المقبلة وإختيار الدائرة الانتخابية التي يقرر الترشح فيها وإختيار الجهات التي يتحالف معها إنتخابياً هو قراره الشخصي حصراً”. وكان “حزب الله” يرغب في التحالف مع الأمين القطري لحزب “البعث العربي الاشتراكي” علي حجازي، الا أن الأمر أتى من سوريا بإنسحاب الأخير من المعترك الانتخابي ووضع السيد بدلاً منه، ما أجبر الحزب على التخلي عن حجازي والتحالف مع السيد الشخصية المستقلة والتابعة للنظام السوري. وهذا ما دفع “الثنائي” الى جعل السيد مرشحاً عادياً لا يقدم ولا يؤخر في المعادلة.

وأوضحت مصادر مقربة من “الثنائي” أن “الخرق كان موجوداً منذ اللحظة الأولى، وإمكان فوز أنطوان حبشي من لائحة (بناء الدولة) المدعومة من حزب القوات اللبنانية كان شبه محسوم لا بل مؤكد. وبالنسبة الى غضب اللواء السيد فهو أمر بديهي نتيجة الأصوات التفضيلية القليلة التي حصل عليها، ولكن في نهاية المطاف فاز بمقعد نيابي وهذا الأهم، خاصة وأنه فرض على الثنائي الذي أرد تبيان حجمه الطبيعي وليدرك جيداً أنه من جعله يحصل في الدورة الماضية على 33 ألف صوت”.

من جهتها، أكدت مصادر مطلعة على الوضع في المنطقة أنه “كان بامكان الثنائي تجيير الأصوات لمرشحه الماروني عقيد حنا حدشيتي الذي حصد 4 آلاف صوت وبهذا لم يكن مرشح لائحة (بناء الدولة) أنطوان حبشي ليتمكن من الفوز بمقعد نيابي، والخرق كان سيصب لصالح المرشح السني على اللائحة نفسها. وبذلك كان الثنائي سيتمكن من تحطيم سمير جعجع من خلال عدم ربح حبشي لكنه أراد التركيز على تجيير الأصوات للشيعة وتناسى المعركة الأهم تجاه القوات”.

من الواضح أن نواب بعلبك – الهرمل الشيعة على خلاف قوي ربما سيتجدد ويقوى أكثر خلال الأيام المقبلة، وأن السيد لم يتقبل بعد النتيجة خاصة وأنه يعتبر نفسه خليفة الرئيس نبيه بري في رئاسة مجلس النواب، لكنه تناسى أن مواقفه وحقده العلني وأسلوبه الغوغائي لن يعطيه أكثر من مقعد في المجلس. كل ذلك يؤكد أن السيد دخل البرلمان بأجنحة مكسورة.

شارك المقال