من مجلس الأعيان الى مجلس النواب

الراجح
الراجح

بدايةً لا بد من اجراء فحص د.أن.أي. لقانون الانتخاب لمعرفة الوالد الشرعي بعد أن تبرّأ منه الجميع.

قليلون في لبنان يعرفون ماذا كان يجري عندما يعقد مجلس النواب جلسة سرية في القرن الماضي.

فالجلسة السرية تعني أن الـ99 نائباً يبحثون أمراً خطيراً، كما يجري في الحلف الأطلسي.

ولا بد من نقاش مواضيع عسكرية بسبب الاعتداءت على جنوب لبنان من قِبَل العدو الاسرائيلي، وكان وقتها مستوى النقاش علمياً لدرجة أنه لو سُمِح للاعلام بالدخول، لما كان فهم شيئاً.

إستهل المير مجيد أرسلان الجلسة باعتباره وزيراً للدفاع، وبالمناسبة المير مجيد هو والد المير طلال الذي ودّع المجلس النيابي تاركاً مقعده ليتفرغ لادارة سهرات “المتة” في قصره في خلدة. لنستكمل محضر تلك الجلسة وقف المير فشرح الخطة الدفاعية المستوحاة حسب رأيه من “عصير” نظريات كلاوزفيتش وفريدريك الثاني، وقال انه شخصياً على الرغم من كل تقديره الموضوعي لأساس نظرية كلاوزفيتش في الحرب الكلاسيكية، ميال عاطفياً نحو تطبيق أسلوب فريدريك الثاني.

وقد رد على وزير الدفاع نائب الضنية مرشد الصمد وهو بالمناسبة والد النائب جهاد الصمد حليف القائد فيصل كرامي، ففنّد لمدة ساعتين نظرية فريدريك الثاني وأسلوبه في الحرب، وقال انه يفضل الأخذ بتطويرات غودريان خصوصاً بالنسبة الى المدرعات والقوات المحمولة، وحذر الحكومة من المضي في انحيازها الى كلاوزفيتش.

بعد ذلك، وقف نائب الشعب يوسف حمود (واسمه الحركي جو) ووضع النظارات على عينيه، وبصوت متهدج ذكّر الكثيرين بالمرحوم تشرشل، ولأن الشعب لم يعد يحتمل حسم الموقف لصالح آراء الجنرال توخاتشفسكي الروسي لأنه كان مثل البعض في هذه الأيام مع الاتجاه شرقاً…

فتدخل النائب البروليتاري توفيق بك عساف صاحب معمل “بيبسي كولا” مؤيداً نظرية ليدل هارت حول تكثيف الخطوط الأمامية ومن تحريك الخطوط الورائية، وأخذ عن معركة “اوسترليتز” التي انتصر فيها نابوليون على أعدائه نموذجاً حياً لصحة نظريته. هنا قاطعه النائب شفيق بدر قائلاً: “ما بقبل وما بيصير هارت هيدا انكليزي ورجعي”.

وعلا الصراخ في قاعة المجلس حيث انقسام النواب كان واضحاً بين كتلة كلاوزفيتش وكتلة فريدريك الثاني وكتلة غودريان وكتلة توخاتشفسكي.

ازاء هذا الانقسام الذي يهدد الوحدة الوطنية، تدخلت الحكومة وألقى رئيسها كلمة جاء فيها: “ان الحكومة، انسجاماً مع سياسة لبنان التقليدية وحرصاً منها على الوحدة الوطنية، تقف موقفاً محايداً من الصراع الفكري – العسكري الخطير الدائر في مجلس النواب. وتعلن ايمانها وتمسكها بعلاقات الصداقة والود القائمة بينها وبين السادة فريدريك الثاني، كلاوزفيتش، غودريان، ليدل هارت وتوخاتشفسكي التي هي نموذج لعلاقاتها الدولية القائمة على مبدأ احترام سيادة كل الشعوب واستقلالها”، تماماً مثل مواقف رئيس الحكومة الحالي.

عند هذا الحد وقف النواب وانصرفوا، وآثار التعب والارهاق الفكري بادية على بذلاتهم.

كل ما تقدم كان من الخيال “الواقعي” على وزن الخيال العلمي لكنه كان يجري في ظل أكبر أزمة معيشية في ذاك الحين، اما الدافع الى سرده فهو لحظة “تشكيلات” المجلس النيابي ودخول القوى التغييرية اليه وفي ظل أخطر أزمة اقتصادية اجتماعية يمر بها لبنان.

في المجلس الحالي هناك طرحان، الأول يحمّل سبب الأزمة للسلاح وبهذا يصدر عفواً عاماً عن منظومة الفساد، والثاني يحارب المنظومة ما يوحي بتناسي معضلة السلاح وبهذا يصدر عفواً عاماً عن “حزب الله” وسلاحه. فحذار…

شارك المقال