لماذا يتبنى نصر الله أقوال شينكر ويناقض أدبياته؟

وليد شقير
وليد شقير

منذ متى صار الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله يركن إلى توصيفات المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر ويتبنى توصيفاته لبعض شخصيات المعارضة والمنضوية في صفوف انتفاضة 17 تشرين والتغييريين، موحياً بأنه يقتبس عن المسؤول الأميركي قوله ما قاله عنهم؟

فهؤلاء الذين فاجأوا السيد نصر الله، وغيره من القيادات التقليدية والزعامات السياسية، بالنتائج التي حققوها في الانتخابات النيابية، فاجأوا أيضاً شينكر نفسه، بحصولهم على أصوات عدد كبير من المقترعين الذين منحوهم أصواتاً تفضيلية أدخلت 14 – 15 منهم إلى الندوة البرلمانية بعد أن كان “حزب الله” وعدد من السياسيين استهزؤوا بهم وتجاهلوا التغيير الكبير في المزاج الشعبي العام وتوثب الشباب منهم خصوصاً نحو التغيير في التمثيل النيابي.

اقتبس نصر الله عن شينكر التوصيفات التي أطلقها عليهم “بعد هذه التجربة الطويلة” من اللقاءات معهم كما كشف نتيجة معرفته “بملفاتهم الشخصية، ‏أنهم نرجسيون، وأنهم شخصانيون… هؤلاء الذين قال ‏عنهم انه يعرفهم”… ثم حاول السيد أن يتجنب تبني هذا الوصف بالقول: “أنا لا أستطيع أن أقول عنهم هذا، لا أعرفهم جيداً، لا تهمهم مصلحة البلد ومصلحة ‏الناس، وحتى مصلحة فريقهم السياسي، كل واحد همه نفسه، فهل ‏سيصبح رئيساً أو وزيراً أو حاكماً أو سلطاناً أو مديراً، هذا شيء مقلق، إذا كان ‏هذا توصيفهم مِن العارف بهم، لأن ملفات الأحوال الشخصية يملكها كلها”.

لكن نصر الله تجاهل ما يعرفه هو عن النواب الجدد الذين كانوا في عداد الحراك الشعبي، في التقارير التي ترده عنهم من “شؤون الأفراد أو العديد” في الحزب، أي جهازه الأمني والاستخباري، الذي لاحق وما زال تحركاتهم وتصميمهم على التظاهر والاعتصام والاعتراض، ما أوجب في محطات عديدة سابقة، إرسال موجات عدة من بعض شبان “جمهور المقاومة”، مسلحين بالعصي والهراوات والسكاكين وأحياناً بالسلاح، في أسراب الدراجات النارية، لضربهم وتكسير خيم اعتصامهم في وسط بيروت، بغية قمع الشعارات التي رفعوها ضد السلطة الحاكمة، التي يقف الحزب وراءها والتي يحالفها ويدافع عنها ويتغاضى عن كل موبقاتها، لأسباب تفوق أهمية ما ترتكبه هذه السلطة، وفق حساباته، بمواجهة أميركا والدول العربية والخليجية.

المفارقة تكمن في القراءة التي قدمها نصر الله لمرحلة ما بعد الانتخابات حين قال في خطابه الأخير: “انتهت الخطابات وانتهت الشعارات تفضلوا إلى العمل في مجلس النواب، بدراسة مشاريع القوانين، واقتراحات القوانين، بتقديم اقتراحات قوانين البرامج التي كنتم تتكلمون عنها، نحن ‏وإياكم تفضلوا، يوجد الكثير من الأمور يمكن أن نتفق عليها”. ذهب في الإيحاء بانفتاحه على معارضيه إلى حد القول إن الانقسام لم يعد عمودياً، يعني لم يعد بين فريقين، وتوجد عدة كتل.

هكذا صار المطلوب تقزيم الخلاف، بعد الاسترسال في متن الخطاب نفسه، في الحديث عن أن الخلاف موجود منذ العام 2005 حول المقاومة والقتال في سوريا وغيرها…

يقفز السيد نصر الله فوق إعطاء الحزب الأولوية في الأدبيات والسرديات التي لجأ إليها، منذ 2019 لمواجهة “الإملاءات الأميركية” عبر صندوق النقد الدولي وفي اتهام الدول الغربية والعربية التي تخاصم إيران بتجويع اللبنانيين. فالمواجهات التي يخوضها الحزب على مستوى الإقليم، تفوق بأهميتها جنون سعر الدولار وتضخم الأسعار، وفقدان المحروقات وأدوية السرطان ثم شح الطحين وسائر الصعوبات المعيشية التي عددها وصولاً إلى توصيف من ثاروا على التردي المعيشي التدريجي منذ 2019 في موقع العمالة والعداء وأنهم مجموعات السفارات، لأن بعضهم تجرأ على طرح دور سلاح الحزب في حماية المنظومة الحاكمة، ومشاركتها المغانم بالمحاصصة في المواقع داخل مؤسساتها. بل أن بعض القيادات السياسية لا يفوته التذكير بأن الأشهر التي أُهدرَت بسبب تغطية الحزب تعطيل تشكيل الحكومات، منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين، لرفضه الدعوات الغربية والدولية إلى الإنقاذ والإصلاح، عبر صيغة حكومة الاختصاصيين لتجاوز المحاصصة، راكمت عوامل التدهور في الأوضاع المعيشية وصولاً إلى ما يعانيه البلد اليوم. وقد برر في السابق مع حلفائه ولا سيما “التيار الوطني الحر” رفضه شروط الدول المانحة بأنه لن يقبل تهبيط الحيطان عليه بحراجة الأزمة الاقتصادية وضغطها ليرضخ للشروط السياسية…

فجأة، وبعد نتائج الانتخابات بات الحزب يستخدم أدبيات من اتهموه بالوقوف وراء تعطيل الحلول. والمفارقة تكمن في قوله: “لا يوجد ترف وقت، ونحن أمام ‏إستحقاقات داهمة وصادمة وخطيرة، ولا نهبّط حيطان على أي أحد، كل ‏الناس تعيش هذه المعاناة يومياً، وغداً سنشعر بها أكثر، عندما تطول الصفوف أمام ‏الأفران”…

يطرح السيد نصر الله معادلة جديدة قديمة تعيد نظرية توزيع المهام داخل السلطة، بين من يتولى الأمن والسياسة الخارجية ومن يتصدى للمعضلة الاقتصادية، بقوله: “أتركونا مختلفين على سلاح ‏المقاومة وهذا ليس تحدياً داهماً. وهذا لبنان متعايش مع سلاح المقاومة 40 سنة، ‏أنتم الذين كنتم في السلطة ولا زلتم في السلطة، لأن هناك أناساً خرجوا وآخرون ‏دخلوا، أنتم متعايشون مع هذا السلاح منذ الـ2005، فلنتعايش معه بعد سنة وسنتين ‏ونعود لنتجادل فيه”.

فهل يطلب نصر الله مهلة قبل التصدي لمعضلة السلاح، لأسباب تتعلق بانتظار اتضاح الوضع الإقليمي، وما ستؤول إليه محاولات إحياء محادثات فيينا، أم يستمهل القوى السياسية التي يمكن أن تتحالف مع “النرجسيين والشخصانيين” لتشكل جبهة عريضة وازنة، تستند إلى تفويض شعبي جدي، في انتظار اتضاح تداعيات الانقسام الدولي بعد الحرب المديدة في أوكرانيا، على المنطقة ولبنان؟

شارك المقال