…ويبقى الوضع على ما هو عليه

عالية منصور

انتهت الانتخابات النيابية وقال اللبنانيون كلمتهم في صناديق الاقتراع. كانت نسبة المقاطعة كبيرة على مساحة لبنان وخصوصاً أنها تأتي بعد انتفاضة 17 تشرين وانفجار مرفأ بيروت والانهيار الاقتصادي والمالي وانعكاس ذلك كله على حياة اللبنانيين.

احتفل الجميع بالانتصار، فكل فريق يستطيع أن يدّعي أنه انتصر في تلك المعركة الانتخابية. الأرقام متقاربة جداً، وجوه جديدة دخلت الى المجلس، ولكن لا يمكن اعتبارها كتلة واحدة وخصوصاً في المواضيع السيادية وتحديداً سلاح “حزب الله” وهيمنته على الحياة السياسية في البلاد، وسيظهر تموضعها لاحقاً وفقاً للمواضيع المطروحة.

انتهت الانتخابات وسيبدأ الجميع بالعودة تدريجاً الى الخطاب السياسي الهادئ نسبياً، والى منطق التسويات والمقايضات والتوافق. وبعيداً من لغة الأرقام فان الثابت الوحيد في الحياة السياسية اللبنانية أن لبنان محكوم بالتسوية، ولن يحكم الا بنوع من التوافق طالما أن تسوية كبرى لم تحصل. وستكون أولى التسويات انتخاب رئيس مجلس النواب، بعيداً من كل ما يقال من خطب شعبوية أبعد ما تكون عن الواقع لانتخاب بديل عن الرئيس نبيه بري.

يخوض حزب “القوات” وبعض التغييريين معركة عدم التصويت لاعادة انتخاب بري رئيساً لمجلس النواب، وهم يدركون سلفاً أن من سيختاره الثنائي هو من سيكون رئيساً للمجلس. فبسبب قانون الانتخاب الحالي لم يعد أي ممثل عن الطائفة الشيعية من خارج الثنائية للمرة الثانية على التوالي، وبالتالي حكماً رئيس المجلس هو من ستختاره الثنائية.

واضافة الى نحو 10 نواب مستقلين و19 نائباً عن “القوات”، هناك أيضاً “التيار الوطني الحر”، وجميعهم يعارضون انتخاب بري مجدداً رئيساً للمجلس.

ولكن هل من مرشح آخر غير بري؟ وهل يعتبر المعترضون على اعادة انتخابه أن اللواء السابق النائب الحالي جميل السيد مستقل أو أنه قد يكون خياراً أفضل؟ وهل يتمتع بالمواصفات السيادية المطلوبة التي ذكر النائب أشرف ريفي أنهم يبحثون عنها في المرشح الذي سينتخبونه بدلاً من بري؟

والأمر ليس محصوراً بعدم وجود نائب شيعي فقط، والعرف أن يكون رئيس المجلس من الطائفة الشيعية، من خارج الثنائية أي حركة “أمل” و”حزب الله”، ولكن مع المنطق السائد في البلاد منذ التسوية الرئاسية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، فالأقوى في طائفته هو من يستحق أن يمثلها في مراكز الدولة (أصحاب هذه النظرية استثنوا منها موقع رئاسة الحكومة أكثر من مرة بحجة التكنوقراط). وهذا ما سيفتح معركة انتخاب رئيس الجمهورية على احتمالات قد تصل الى الفراغ الرئاسي مجدداً، فقد حققت كتلتا “القوات” و”التيار الوطني الحر” نتائج شبه متعادلة من حيث عدد المقاعد، ما لم تحصل تسوية جديدة.

الا أن خوض معركة محسومة النتائج سلفاً تجعلنا نقول اما أن المعركة عبثية أو أن المعركة هي لفتح باب التسويات والمقايضات، وخصوصاً أن استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ليس الاستحقاق الوحيد، فهناك انتخاب نائب رئيس مجلس النواب، وقد يطرح حزب “القوات” النائب غسان حاصباني لتولي المنصب رسمياً، بينما يتجه بعض النواب “التغييريين” الى طرح النائب ملحم خلف نقيب المحامين السابق للمنصب نفسه، من دون أن نتجاهل الاستحقاق الأهم وهو انتخاب رئيس جمهورية خلفاً للرئيس ميشال عون بعد أشهر قليلة، وعليه قد تبدأ المقايضة مع “التيار الوطني الحر”.

اما طرح بعض النواب التغييريين انتخاب رئيس لا ينتمي الى الطائفة الشيعية لرئاسة المجلس، وخصوصاً أن الدستور لم ينص على مذهب رئيس المجلس وطائفته، وبطبيعة الحال لن يقبل “القوات” ولا غيره بالسير في هذا الطرح، فسيبقى أقرب الى طروحات المهرجانات الانتخابية لا العمل السياسي والبرلماني، اذ أن نسف الأعراف القائمة في لبنان منذ استقلاله لا يتم بهذا الشكل ولا بهذا التوقيت.

من يريد حقاً رئيساً لمجلس النواب غير ما تقرره الثنائية يبدأ بتغيير قانون الانتخاب الحالي، والى حينه بري رئيساً لمجلس النواب للمرة السابعة على التوالي، والمعركة هي في عدد الأصوات التي سيحصل عليها، والسؤال هل يغفر بري لمن بدأ المعركة؟

شارك المقال