عواقب احتكار تمثيل الشيعة في لبنان

محمد علي فرحات

يفرح الثنائي “حزب الله” وحركة “أمل” باحتكاره تمثيل الطائقة الشيعية في البرلمان اللبناني. ولكن، هل هو يمثلها حقاً؟ انه يمثل قواعده الحزبية وأنصاره، وهؤلاء لا يتجاوزون في أحسن احوالهم أربعين في المئة من هذه الطائفة، حقيقة لا ينكرها عاقل ولا تمنع وجودها القوة العسكرية والمالية للثنائي الشيعي. ويستغرب الجميع النزعة اللاعقلانية للثنائي حين يمنع بوسائل عدة ومتنوعة وصول شيعي الى البرلمان لا ينتمي الى “الحزب” أو “الحركة”، أي أن الثنائي يمنع وجود الحقيقة لمصلحة أوهام تمثيله وحده لطائفة لبنانية تميز تاريخها السياسي بالتنوع وتعدد الأفكار. والغريب أن الثنائي غالباً ما يتهم الشيعة المختلفين عنه في الفكر السياسي وطريقة العيش ومدى الانخراط في حياة اللبنانيين الآخرين، يتهمهم جميعاً بأنهم طابور خامس يعمل أو يمكن أن يعمل ضد الثنائي بالجملة، ولا يتخيل أن هؤلاء يمكن أن يتفقوا معه في نقاط ويختلفوا في نقاط أخرى، كما هي حال اللبنانيين الآخرين داخل طوائفهم.

قال لي صديق وزميل قديم في الدراسة الجامعية إنه لا يرى في نواب الثنائي أو وزرائه أي شبه بزملائه الشيعة في الجامعة وفي الحياة العملية. ووصل الأمر به الى المزاح قائلاً: من أين يأتي رئيسا الثنائي بهؤلاء النواب والوزراء؟ وكيف يستطيعون إخفاء الميزات المحببة لدى الشيعة ويقدمون بدلاً منها اشخاصاً يتميزون بالانعزال والخوف والتخويف واطلاق مواقف الشك ضد الآخر المختلف؟

ويؤدي انتصار الثنائي المؤزر في الانتخابات النيابية الى مآزق عدة، أولها انتخاب رئيس جديد للبرلمان. هنا مرشح وحيد أوحد هو الرئيس نبيه بري الذي يمكن أن ينجح في تجديد رئاسته ولكن بأصوات متواضعة تختلف عن نجاحاته السابقة بأصوات كثيرة طاغية، وهذا ما يسيء الى حدّ ما الى الرئيس بري الحريص على مد اليد الى الطوائف الأخرى وزعمائها والانخراط في هندسات النظام باعتباره زعيماً وطنياً عابراً للطوائف لا زعيم طائفة بعينها، أو أنه على الأقل يقدم نفسه بهذه الصورة الايجابية التي يصدقها كثيرون كما ينكرها كثيرون أيضاً. لا مجال لفشل الرئيس بري في تجديد جلوسه على كرسي الرئاسة الثانية، ولكن، لا مجال أيضاً لتجديد صورته الجامعة بأصوات كثيفة تشكل احتفالاً عاماً بنجاحه في تجديد جلوسه على ذلك الكرسي. نحن أمام مأزق وليس أمام انتخابات عادية، ولهذا المأزق تأثيره في المحطتين اللاحقتين: رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.

سوف يصر نواب كثيرون على عدم انتخاب الرئيس بري لكونهم لا يؤيدونه ولكونهم أيضاً يرفضون التعامل معهم على أنهم مواطنون شيعة يرتضون، وإن على مضض، أن يبتلعوا مرارة احتكار تمثيلهم من قبل “حزب الله” وحركة “أمل”. هؤلاء لبنانيون ولكنهم من غير الشيعة، ولهم الحرية في انتخاب الرئيس بري المرشح الوحيد والأوحد أو التغيب عن جلسة الانتخاب أو الاقتراع بأوراق بيضاء. وهؤلاء ليسوا بحكم مواقعهم الطائفية والسياسية مضطرين الى تمجيد زعيم من طائفة أخرى. يحترمون حقه في الوصول الى الرئاسة الثانية بقدر ما يحترمون حقهم بعدم الاقتراع له.

يقول الصديق والزميل القديم في الدراسة الجامعية: إن الطائفة الشيعية اللبنانية حين رضيت أو أجبرت على الرضى بأن يحتكر تمثيلها “الثنائي”، فهي تقدم نفسها في موقع المختلف بل حتى في موقع الشاذ عن الطوائف الأخرى، فهذه تحضر في المجلس النيابي الجديد بتمثيل متعدد داخل الطائفة الواحدة، وتقدم من الندوة النيابية أفكاراً متنوعة لمعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها لبنان وتكاد تودي به الى ما يماثل الانهيارات في الدولة السورية الجارة وفي المشرق العربي الذي حطمه سياسيوه قبل أن يحطمه الطامعون فيه من قوى الاقليم والعالم.

أساء الثنائي الشيعي الى نفسه قبل أن يسيء الى طائفته والى الشعب اللبناني حين احتكر تمثيل طائفة لبنانية كبيرة ومتنوعة، فهل يعترف الثنائي بهذه الاساءة أم أنه يفضل ألعاب الميليشيا على المسؤولية الوطنية؟

شارك المقال