فرنجية قوي رئاسياً… والأكثرية والأقلية “على القطعة”

رواند بو ضرغم

يخطئ من يعتبر أن حظوظ سليمان فرنجية الرئاسية انتهت نتيجة الاستحقاق النيابي. فحسابات رئاسة الجمهورية تختلف عن بقية الاستحقاقات، إذ تتقاطع فيها الظروف الداخلية والعوامل الخارجية لترفع حظوظ مرشح على آخر.

على الصعيد الداخلي، بحرفية أدار الرئيس نبيه بري معركته النيابية، وأفرغ جهوده على الساحة الشيعية، غير آبه بقضم الساحات الأخرى، وذلك بهدف تحصيل كتلة مغلقة من سبعة وعشرين نائباً شيعياً مع حليفه “حزب الله”، لمنع أي فرصة لإحداث خرق، وإجبار الحلفاء والخصوم على التفاوض معه في الاستحقاقات كافة تحت مجهر الميثاقية. من هذا المنطلق، لن يمرّ أي استحقاق بدءاً من رئاسة الحكومة وصولاً الى رئاسة الجمهورية من غير موافقة “الثنائي الشيعي”.

وظهر جلياً أن المرحلة منضوية تحت عنوان “مواجهة السلاح”، و”حزب الله” الذي يمتلك من المحصول النيابي ما يعادل الستين نائباً مع حلفائه، يستعد للمواجهة متسلحاً بالتعطيل، وقد بدأ بكسر الجليد بين حليفيه الرئاسيين (فرنجية – باسيل)، لأن وصول فرنجية الى سدة الرئاسة يتطلب المرور بالمصالحة لتأمين الغطاء المسيحي له ترشيحاً. وأول الغيث كان حديث باسيل عن أصالة فرنجية التي لم تأتِ من غير سبب، ففرنجية جيّر أصواتاً للتيار في كل من بعبدا وعكار، والتعاون بينهما قابل للتمدد وفقاً لما يقتضي تقاطع مصالحهما. فمن مصلحة فرنجية أن يبقى مرشح “حزب الله” الأول بعد ميشال عون، ومن مصلحة باسيل أن تبقى الرئاسة الاولى في كنف فريق ٨ آذار لتؤول اليه يوماً. أما “حزب الله” فمتيقن من حساسية المرحلة وعنوانها الأول “السلاح” ولا يريد أن يكشف ظهره للخصوم المحليين والدوليين، وهمّه أن يبقى تأثيره على المسيحيين، ليؤمن غطاء وطنياً لسلاحه. والحل لهذين الهاجسين هو رئيس للجمهورية من ٨ آذار استراتيجياً، ويحمل طابعاً وسطياً بقربه من الجميع اسمه سليمان فرنجية، نظراً الى علاقاته الوطيدة مع المكونات كافة لاسيما خارج ١٤ اَذار، ولا يشكل عامل استفزاز للقوى الاقليمية والدولية. أما خسارة “حزب الله” رئاسة الجمهورية فتعني هزيمة له، لذلك فإن عدم القدرة على خرق الكتلة الشيعية البرلمانية ستؤدي حتماً الى استنساخ مرحلة ما قبل انتخاب عون، وهذه المرة “حزب الله” أقوى بمفاعيل المفاوضات الايرانية – السعودية، والايرانية – الأميركية، لذلك لا بد من عدم الاسراع في نعي حظوظ فرنجية، لأنه يبقى الأوفر حظاً داخلياً وخارجياً، ولدى الشعب اللبناني والكتل النيابية والمجتمع الدولي، ١٠٠ مرة سليمان فرنجية ولا مرة جبران باسيل.

واقع الرئاسة الثانية لن يختلف كثيراً عن الرئاسة الأولى، فهل تستطيع أي أكثرية فرض حكومة ورئيسها على “الثنائي الشيعي”؟ فلنسلم جدلاً بأن الأكثرية اختارت نواف سلام، الذي يعد مقبولاً من المستقلين والحزب “الاشتراكي” وسبق لـ “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” أن تبنيا تكليفه لتأليف الحكومة، فهل يمر سلام على الرغم من الفيتو الشيعي عليه؟ بالطبع لن يمر. وهذا دليل على نجاح الرئيس بري في جعل القرار الشيعي أكثر فاعلية، وأصبح الواقع يحتم على الجميع عدم تخطيهم، فلا أحد يستطيع تأليف حكومة من دون “الثنائي الشيعي”، ولا رئيس جمهورية من غير موافقتهما، ولا حتى باستطاعة أي أكثرية نيابية أن تفرض أي مشروع أو اقتراح قانون لا يستسيغانه، لأنه سيكون فاقداً للميثاقية. وهذا يعني أن الحياة السياسية عادت الى قواعدها، وأصبحت الكتل مجبرة على الجلوس مع بعضها البعض، لأن الأكثرية والأقلية في هذا المجلس الجديد “على القطعة”.

شارك المقال