خارق الميثاق… خاسر

محمد شمس الدين

الساحة اللبنانية متفجرة منذ العام 2005، انقسام عمودي، تشنج سياسي، تظاهرات، تعطيل حكومات، تعطيل مجلس النواب، فراغ دستوري، حتى انفجرت مواجهة مسلحة في العام 2008، وانتهت بمؤتمر برعاية إقليمية، أي اتفاق الدوحة. هذا البلد الصغير لبنان، قائم على توازنات ثابتة منذ اتفاق الطائف، وربما لم يكن بلداً مثالياً ولكن هذه التوازنات حافظت على استقراره، حتى التفجير في العام 2005، الذي هز البلد، وضرب الاستقرار النسبي الذي كان يحظى به، إلى أن استطاع اتفاق الدوحة فرض نوع من الهدوء إلى فترة ليست بقليلة، وقد يكون السبب الأكبر للهدوء هذا هو اشتعال المنطقة حول لبنان، مما دفع القوى السياسية فيه إلى تهدئة الجبهات الداخلية حتى بوجود خصومات شديدة في ما بينها.

في العام 2018، اتخذ حزب “القوات اللبنانية” قراراً بعدم انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب، أما “التيار الوطني الحر” فقد ترك الخيار لأعضاء تكتله بالنسبة الى التصويت لبري من عدمه. واليوم يزايد الحزبان على بعضهما البعض برفض انتخاب بري مجدداً، ولكن كون المسيحيين في لبنان، هم حراس الميثاقية، ألن ينعكس سلباً رفضهم انتخاب رئيس مجلس، يشكل إجماع مكون أساسي في البلد؟

مصدر مطلع رأى في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “ما يقوم به حزب القوات والتيار الوطني الحر خطر جداً، فهما أكثر حزبين يمثلان طائفتهما، وسُجل عليهما حصار، بل قد يقال عزل ممثل مكون أساسي في البلد هو الرئيس سعد الحريري، الذي رفضت القوات تسميته، بينما التيار عرقل له تشكيل الحكومة، بل أعلن الرئيس ميشال عون جهاراً أنه لن يقبل به، لذلك يمكن القول إن الحزبين رفضا ممثل مكون أساسي في البلد، أما اليوم فهما يصوّبان على ممثل مكون أساسي آخر، هو الرئيس نبيه بري، وهذا أمر خطير جداً. حسناً اليوم الرئيسان بري والحريري يتمتعان بالوطنية، ولن يعملا بالكيدية التي تم التعامل معهما بها، ولكن ماذا عن المستقبل؟ فهل يمكن ضمان أن تبقى الحكمة الوطنية هي التي تحكم هذين المكونين؟ ماذا لو اتخذ قرار المعاملة بالمثل؟ هل سيتحمل التيار والقوات انتخاب رئيس جمهورية غير موافقين عليه؟”.

أضاف المصدر: “اليوم يغيب الرئيس الحريري، فيما السهام موجهة إلى الرئيس بري، ولكنه فعلياً يمتلك أوراق قوة أكثر من القوات والتيار، مع أنني أشك في أن يستعملها، فهو المرشح الوحيد لرئاسة المجلس، وبالتالي يمكنه أن يتولى المنصب حسب الأصوات نسبياً، أما المرشحون لرئاسة الجمهورية ونيابة رئاسة المجلس، فهم كثر، وإذا تم الإصرار على الكيدية من القوات والتيار، فعندها قد يتلقون المعاملة نفسها ويخرجان خاسرين من هذه اللعبة، فبري يمكنه أن يستميل المستقلين وقوى التغيير عبر شخصيات قد يتقبلونها لنيابة رئيس مجلس النواب، مثل ملحم خلف أو سجيع عطية، وبهذا يوجه ضربة إلى معارضي انتخابه، أو إظهاره بصورة ضعيفة. كذلك يمكن أن تكون هناك شخصيات عدة مرشحة لرئاسة الجمهورية، هي من خارج الثنائي الأكثر تمثيلاً للطائفة المسيحية، وقد تملك الفرصة إن كان الهدف هو الرد على الكيدية التي يتعامل بها الاثنان اليوم، مع الأكثر تمثيلاً في مكوناتهما، وعندها لن ينفع الندم، بل يكون الرئيس بري هو الرابح في معركة كسر العظم هذه”.

من جهته، اعتبر النائب السابق هادي حبيش في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنه “بغض النظر عمن سيُدفّع الثمن للآخر، هذا البلد يعيش أزمة نظام حقيقية، ويجب إيجاد حل جذري لها، فلا يمكن عند كل استحقاق، أن تخرج طائفة لديها موقف من طائفة أخرى، الموارنة لا يريدون جزءاً من الشيعة والشيعة ضد جزء من الموارنة، هذا سيدمر البلد، لذلك يجب على الجميع التوجه إلى طاولة حوار تحل أزمة النظام التي يعيشها البلد، وستسبب المزيد من التدهور والانهيار الاقتصادي والمالي، وتدفع بالمزيد من كل الطوائف الى الهجرة”.

وقال: “الأزمة التي نعيشها اليوم في موضوع انتخاب رئيس مجلس النواب، سنعيشها عند تسمية رئيس الحكومة وتشكيل حكومته، وكذلك سنعيشها عند الاستحقاق الرئاسي، وذلك سببه التوازنات الموجودة اليوم في البرلمان الجديد، وهذا يعني شلل مؤسسات الدولة، والمواطن هو الذي سيعاني، فهل يستطيع الأكل من صلاحيات رئيس المجلس؟ أم الشرب من صلاحيات رئيس الحكومة؟ أم تنير منزله بطاقة صلاحيات رئيس الجمهورية؟”. وأكد أن “طاولة الحوار ضرورية لحل أزمة النظام، وأزمة سلاح حزب الله وتداعياته على لبنان”.

وعن احتمال فشل اللبنانيين في التوصل إلى حل وفرض الحل عليهم من الخارج، اعتبر حبيش أنه “إذا كنا كلبنانيين لا نستطيع حل أزماتنا بأنفسنا، فنستحق أن يأتي الخارج ليفرض حلوله علينا، المشكلة من عندنا”.

الى ذلك، علم موقع “لبنان الكبير” أن فرنسا لا تزال تعمل بالنهج نفسه منذ بدء الأزمة في العام 2019، أي مؤتمر تأسيسي جديد للبنان، ولكنها لن تستطيع فرض هذا المؤتمر قبل أن يكون هناك خلاف كبير وتعطيل للمؤسسات في البلد، وهذا ما تتوقعه أكثر من مرجعية سياسية في المرحلة المقبلة، فقد تصل الأزمة إلى أقصى حدها عند الاستحقاق الرئاسي في تشرين الأول المقبل، ولا تتوقع المرجعيات تشكيل حكومة قريباً، فانتخاب رئيس الجمهورية بعد 5 أشهر، وعندها الحكومة المؤلفة الجديدة ستصبح حكومة تصريف أعمال، وفي لبنان اعتاد أن يأخذ تشكيل الحكومات أشهراً، لذلك على الأرجح لا حكومة، ولا رئاسة جمهورية، وحينها قد تنجح الخطة الفرنسية، لكن عندها سيكون أكبر الخاسرين هم المسيحيون، لأن فرنسا تقترح المثالثة منذ مؤتمر سان ريمون، وبالتالي تنتهي المناصفة.

شارك المقال