سبع مفارقات في بداية ولاية برّي السّابعة

حسن الدّر
حسن الدّر

“ضحكة بري وعبطة رعد” وفّرت الكثير من الشرح ولخّصت الكثير من الكلام، فالمعركة الانتخابيّة لم تكن سهلة والفوز من الدورة الأولى ليس لعبة حظّ. الوقائع والأرقام تثبت ذلك، ولولا شخصية نبيه بري وعلاقاته الوطنيّة المتشعبة لكان المشهد مختلفاً.

من وجهة نظر الثّنائي، إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري في هذه الظروف، وفي هذا المجلس “الموزاييكي” يشكّل حصانة للمقاومة، وحماية لعقود من التضحيات والانجازات، خصوصاً بعد حراك 17 تشرين وما رافقه من تداعيات حاول خصوم المقاومة تحميل تبعاتها للسّلاح ولبري نفسه، باعتباره ركناً أساسيّاً من أركان “المنظومة الحاكمة” على مدى العقود الثّلاثة الماضية.

يؤكّد وجهة النظر هذه ما قالته الصّحافة الاسرائيليّة: “إعادة انتخاب بري انتصار جديد للمقاومة في لبنان”.

وفي قراءة تفاصيل الجلسة الأولى للبرلمان الجديد فقد سقطت ادّعاءات وثبتت وقائع بالأرقام:

– أوّلاً: سقط ادّعاء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بحصوله على أكثريّة نيابيّة تخوّله وضع شروط ومواصفات على الآخرين.

– ثانياً: أثبت “التّيّار الوطنيّ الحرّ” قدرته على نسج التّحالفات مع الآخرين، استناداً إلى خياراته الاستراتيجيّة على الرغم من كثرة أخطائه التّكتيكيّة، بعكس “القوّات اللّبنانيّة” الّتي فشلت في تجميع أصوات من تلتقي معهم في الشّعارات، فهربت من ترشيح نائب للرّئيس، وخسر المرشّح الّذي دعمته.

– ثالثاً: سقط ادّعاء النّوّاب الجدد بأنّهم “تغييريون ومستقلّون” فقد تحالفوا مع جزء من “المنظومة” وصوّتوا لصالح غسان سكاف في الدّورة الثّانية، واصطفّوا بشكل واضح، لا لبس فيه، مع فريق من السّلطة ضدّ فريق آخر.

– رابعاً: حضر طيف الرّئيس سعد الحريري وإن غاب بشخصه، كصاحب كتلة مؤثّرة وقادرة على إمالة دفّة الأكثريّة، على القطعة، حيث تلتقي مصالحه مع مصالح حليفيه التّقليديين بري وجنبلاط، وبرز هذا الحضور في تصويت نوّاب “قدامى المستقبل” للرئيس نبيه برّي.

– خامساً: أظهرت الأصوات الـ 38 الّتي حصل عليها مرشّح “القوّات” زياد حوّاط زيف ادّعاء النّائب “الثّوري” مارك ضو امتلاك “التّغييريين” مع جعجع الثّلث المعطّل، أي 43 صوتاً.

– سادساً: خطا الوزير سليمان فرنجيّة خطوة باتّجاه “التّيّار الوطنيّ الحرّ” بالتّصويت لصالح الياس بو صعب يفترض أن يلاقيه فيها التّيّار في استحقاق رئاسة الجمهوريّة كونه من الأسماء المطروحة بقوّة لتولّي سدّة الرّئاسة الأولى.

– سابعاً: أعاد وليد جنبلاط التّذكير بمرونته وقدرته على التّحرّك تحت سقف الثّوابت الّتي يشهد له بها صديقه اللّدود نبيه برّي بأنّه لا يخطئ البوصلة في الاستحقاقات الوطنيّة الكبرى، مع حقّه الطّبيعيّ في الاستدارة حيث يرى له مصلحة سياسيّة.

وثمّة مفارقة فارقة عن كلّ ما سبق، فقد أكّد الرئيس نبيه برّي تعاليه عن المناكفات الصّغرى في مقاربة الاستحقاقات الكبرى، حيث دخل قاعة البرلمان متخفّفاً من ثقل شعارات التّحدّي الّتي أطلقها ضدّه خصومه وحليف حليفه، ولم يساوم أو يرضخ لأيّ ابتزاز، بل منح كامل أصوات كتلة “التّنمية والتّحرير” لمرشح كتلة “لبنان القويّ” بعد تأكّد حجب الأخيرة أصواتها عنه.

وهذه سابقة في العمل السّياسيّ تضاف إلى سجلّ الرّجل الحافل بالمناقب الوطنيّة، وليس أهمّها تخلّيه عام 2011 عن وزير شيعيّ لصالح وزير سنّي (فيصل كرامي) من أجل تسهيل تشكيل حكومة الرّئيس نجيب ميقاتي يومها.

وقد يكون من المفيد إعادة مشاهدة “ضحكة برّي وعبطة رعد” مراراً لفهم أبعادها وخلفيّاتها!

شارك المقال