الصندوق السيادي خصخصة مموهة… ونجاحه رهن الاصلاحات

محمد شمس الدين

يكثر الحديث في لبنان اليوم عن فكرة إنشاء صندوق سيادي للنهوض بالبلد، وبينما يبشر بعض القوى السياسية والاقتصادية بالفكرة، يحذر البعض الآخر منها، ويعتبر أنه بيع لأصول الدولة. فما رأي القوى السياسية الأساسية؟ وهل فعلاً الصندوق السيادي يعني بيع أصول الدولة؟

أشار عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب فادي علامة في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “الوقت مبكر لمناقشة فكرة الصندوق السيادي، فهناك أولويات أهم، هي الاستحقاقات الدستورية، من تأليف اللجان النيابية إلى تشكيل الحكومة، إضافة إلى الاستحقاقات الاقتصادية، من خطة التعافي وإعادة هيكلة المصارف ودمجها، إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وككتلة لم نناقش الموضوع بعد، بسبب الانشغال بهذه الأولويات”.

من جهته، أكد عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب بلال عبد الله أن “الكتلة تؤيد فكرة الصندوق السيادي، بل انها لا ترى غيره مخرجاً في الوقت الحاضر، ولكن بشرط أن يكون الهدف استثمار أملاك الدولة وليس بيعها”. وقال: “نحن ككتلة نرفض رفضاً تاماً بيع أي أصول تخص الدولة، وذلك ممكن عبر القوانين، بحيث يجب على الحكومة تقديم المشروع وعندها يضع له مجلس النواب الضوابط، والهدف من الصندوق يجب أن يكون جذب الاستثمارات، والايحاء بالثقة للمودعين، خاصة الكبار منهم. وكل الدول التي تعتمد على الصندوق السيادي، تعطي ضمانات، وهذا ممكن في لبنان”.

أما عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسين الحاج حسن فأوضح أن “الصندوق السيادي فكرة مطروحة، ولكن لم يتبلور أي مشروع واضح بعد كي نعطي رأينا ككتلة فيه، وليس لدينا أي رفض أو قبول لأي طرح بشكل مبدئي، نحن نعطي رأينا حسب المضمون، لذلك عندما يطرح المشروع بصورة واضحة، سيكون لنا كتكتل موقفنا وملاحظاتنا الواضحة”.

واعتبر عضو تكتل “لبنان القوي” النائب أسعد درغام أن “الصندوق السيادي يمكن أن يساهم في إعادة أموال المودعين، لافتاً إلى “أننا كتكل نسميه الصندوق الائتماني، وفي المبدأ نحن معه ونؤيد إنشاءه، ولكن الأمر يحتاج إلى عمل ودراسة تحتاج إلى وقت، وعندما يطرح بشكل جدي من الحكومة، التي هي المعنية الأولى بهذا الطرح، سيكون لنا موقف واضح وصريح إزاءه”.

ورأت مصادر “القوات اللبنانية” أن “موضوع الصندوق السيادي لم يطرح للنقاش بعد، ولكنه قد يستطيع انتشال لبنان من أزمته، ولذلك القوات ترحب به، شرط أن يتمتع بأعلى معايير الشفافية والضوابط العالمية، لأن التجربة مع الدولة سلبية عادة في هذه الأمور”.

ماذا يقول المتخصصون؟ أكد الخبير في المخطر المصرفية محمد فحيلي أن “هناك لغطاً عند غالبية من يتكلمون بفكرة الصندوق السيادي، وهو ليس بالضرورة أن يكون بيعاً لأصول الدولة”. ويعرّف الصندوق السيادي بأنه “استثمار أصول الدولة بهدف توظيفها بالمشاركة مع القطاع الخاص ومستثمريه من أجل خلق فرص جديدة في الاقتصاد المحلي، وهو عادة ينتج عن ظروف استثنائية، مثل أن يكون هناك فائض إيرادات عند الدولة، وتريد توظيفها بشكل يعود بالمنفعة على اقتصادها، وقد شكلت الدول المنتجة والمصدرة للنفط تجربة ناجحة في الصناديق السيادية. فعندما نفكر في صندوق سيادي يكون بمشاركة القطاع الخاص، ويمكن وصفه بالخصخصة المموهة، ففعلياً يتم أخذ أصول الدولة، ثم عرضها على القطاع الخاص، لاستثمارها بأفضل الطرق، من أجل تفعيل الاقتصاد، وهذا يعني أن الدولة تدخل أسواق القطاع الخاص”.

أضاف: “السؤال اليوم هو هل هناك أصول للدولة وضعت بيد القطاع الخاص للاستثمار في لبنان؟ الجواب هو نعم، وما علينا إلا ملاحظة شواطئ لبنان، وكم يستثمر فيها القطاع الخاص، وكذلك الكسارات، نادي الغولف، المولدات الخاصة، كازينو لبنان، القطاع الخلوي، طيران الشرق الأوسط والبارك ميتر، كلها تعتبر أصولاً للدولة وأملاكها، وتوجد فيها تعديات كبيرة على أملاك الدولة، وتستثمر أصول الدولة بطريقة غبية، تعود بالفائدة على أشخاص معينين وليس على اقتصاد الدولة”.

أما عن تجارب دول أخرى في الصناديق السيادية، فأكد فحيلي أن “هناك دولاً عديدة أنشأت صناديق استثمارية ناجحة جداً مثل الامارات والسعودية ومصر، بحيث أنها استغلت فائض الإيرادات النفطية من أجل دعم الاقتصاد المحلي وخلق الفرص كي لا يكون الاعتماد في الإيرادات على النفط فقط. مثلاً الإمارات دعمت القطاع العقاري وطورته، والسعودية ركزت على الصناعة والزراعة، ومصر طورت السياحة والزراعة ودعمتهما، كلها تجارب ناجحة، وإذا أردنا المقارنة بدولة شبيهة بلبنان، فأذربيجان مثلاً استطاعت إنشاء صندوق سيادي لفائض الإيرادات النفطية، واستعملته لدعم القطاع الخاص وتطويره وكانت تجربة ناجحة. ولكن تجدر الإشارة الى أن هذه الدول كانت في وضع اقتصادي جيد عندما أنشأت هذه الصناديق. لا توجد حالات في العالم أنشئت فيها صناديق سيادية من أجل تأمين السيولة أو دفع أموال المودعين، أو مثلاً رسملة المصرف المركزي، أو لدعم إيرادات الدولة كي تعزز نفقاتها، بل هدفها تمكين القطاع الخاص وليس العام، وعندما تم اكتشاف ثروة نفطية لدى لبنان، ظهرت فكرة توظيف إيرادات النفط والغاز في صندوق سيادي، لأنها تشكل إيرادات استثنائية، وهي فكرة جيدة”.

أما عن دول ساءت أحوالها بعد اعتماد الصندوق السيادي، قال فحيلي: “لبنان من هذه الدول، وكما قلنا سابقاً إن الصندوق السيادي هو نوع من الخصخصة المموهة، وهو يعني الاستثمار بأصول الدولة. والدولة خصخصت أملاكها بطريقة لا تعود بالمنفعة العامة، بل لأشخاص محددين، ينتمون إلى فئات سياسية. هذه الأملاك والأصول مثل الأملاك البحرية وقطاعات أساسية كالتي ذكرناها سابقاً، هي تنفيعات خاصة، وهذه مشكلة الدولة اللبنانية، غياب الحوكمة والشفافية والإفصاح المالي، وهي اليوم تحاول التنصل من التزاماتها تجاه القطاع الخاص والدائنين، سواء باليوروبوند، أو خطة التعافي التي تحاول عبرها إعفاء مصرف لبنان من التزاماته تجاه المصارف التجارية التي تقدر ب 60 مليار دولار”.

وتابع فحيلي: “عندما تتجه الدولة إلى الصندوق السيادي فهذا يعني أنها تريد ترميم الثقة مع المجتمع الدولي والأسواق المالية، وتحاول استعادة عزها لجهة المصداقية والحوكمة، وهذا ليس ممكناً من دون أن تتمتع الدولة بأعلى معايير الشفافية العالمية”.

ورأى أنه “إذا تم إنشاء صندوق سيادي مع هذه السلطة اليوم، فسيكون فاشلاً حتماً، لأن هذه السلطة باعتراف الجميع، فاسدة، اتهمتها عدة جهات بهدر المال العام، وهي اليوم لم تستطع حتى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي يطلب إصلاحات معينة. ولو نجحت في ذلك يمكن القول انها يمكن أن تنجح في الصندوق السيادي. فالاتفاق مع صندوق النقد يعني إبراء ذمة السلطة في لبنان وإعطاؤها شهادة حسن سلوك، وهذا يخولها أن تتوجه نحو القطاع الخاص، وتشجعه على مشاركتها في الاستثمار، وإذا كانت السلطة جدية في فكرة الصندوق السيادي لحل مشكلاتها فعليها أن تقوم بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد، وأحد هذه الإصلاحات الذي قد يكون له تأثير إيجابي، هو إلغاء الامتيازات الضريبية لمن يستثمر في الأملاك العامة كما هو حاصل اليوم. وإنشاء صندوق سيادي، يتطلب قانوناً من مجلس النواب، ويحتاج إلى قضاء مستقل، كي يعطي مصداقية للجسم القانوني والقضائي والدستوري، ويشجع المستثمرين الأجانب، وكذلك يجب أن تتم إعادة هيكلة وجدولة الدين العام، بشقيه اللبناني والخارجي، والتفاوض مباشرة مع الدائنين، علماً أن الدولة تملك أصولاً، ويمكنها الافادة منها، فبدلاً من أن يعفن الذهب الذي يقدر بـ 17 مليار دولار في مخازنه، يمكن بيع جزء منه واستثماره في صندوق سيادي، ولكن من دون إدارة تتمتع بأعلى معايير الحوكمة والشفافية، والتركيز على أن يكون الهدف دعم الاستثمار الخاص، لا نفقات الدولة، كل القوة والأصول التي يمتلكها لبنان ستذهب هباء”.

شارك المقال