استحضار المرشحين لرئاسة الحكومة لإخضاع ميقاتي

وليد شقير
وليد شقير

السجال على الخيارات الحكومية عاد هو نفسه إلى المسرح السياسي، كما في كل مرة قبيل تشكيل الحكومة، ما ينبئ بالسيناريو نفسه: أن ينتهي إلى ترجيح حكومة تتشكل من ائتلاف السلطة الحاكمة، ومن حلفائها والذين بإمكانها اجتذابهم من الفرقاء الذين يتمسكون بأوهام المكاسب التي يمكن أن يحققوها من داخلها وهي فتات ما ستحصل عليه القوى النافذة إياها.

هل هي حكومة أكثرية كما يطالب بعض الفرقاء الذين أنتجوا تقدماً في أحجامهم في البرلمان، أم هي حكومة جامعة وتوافقية بين كل الفرقاء، أم هي حكومة اختصاصيين برئاسة اختصاصي أو شخصية بعيدة من الطبقة الحاكمة؟

قد ينتهي الأمر بحكومة يقال عنها إنها توافقية سواء كانت من سياسيين أم من اختصاصيين، تستبعد من لا يوافق عليها حتى لو كان تمثيله وازناً في البرلمان. المهم تجويف حصول الأحزاب والقوى والشخصيات المستقلة، المعارضة للسلطة الحاكمة من الأكثرية التي حصلت عليها، والالتفاف على فقدان “حزب الله” وحلفائه الأكثرية، كما حصل في انتخابات نيابة رئاسة البرلمان.

تحت شعارات الدعوة إلى التوافق على حكومة يتمثل فيها كل الفرقاء، يمكن أن يجري تجويف نتائج الانتخابات، في ظل تشرذم المستقلين من النواب وخصوصاً السنة منهم وغياب الرؤية الموحدة بين مكونات الأكثرية. فهل يلجأ التحالف الثلاثي المؤلف من الحزب وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر” إلى تغيير العادة هذه المرة، بعدما يستنفذ الدعوة إلى حكومة الوحدة الوطنية بحجة إلحاح الحاجة إلى حكومة سريعاً لاستكمال الإصلاحات (التي تتعثر منذ سنتين)، وبحجة إصرار المجتمع الدولي على قيام الحكومة بسرعة، فلا تتم إطالة عملية التأليف وفق تجارب السنوات الماضية؟

موجب هذا الاحتمال هو شهوات قطف أكثر ما يمكن من ثمار في الأشهر الأربعة ونيف قبل نهاية العهد. فالفريق الرئاسي لا يفكر إلا بالتعيينات الإدارية وبـ”هبج” ما يمكن من مكاسب عالقة نتيجة الخلافات السابقة بينه وبين رئاسة الحكومة من جهة، وبينه وبين حليف الحليف رئيس البرلمان نبيه بري من جهة ثانية. وقد يعتبر أن الفرصة سانحة اليوم بعد التحالف معه في الانتخابات، على الرغم من كل ادعاءات “التيار الحر” بأنه ركب القطار معه وبعدها سينزل منه كل في طريقه.

إذا كان هذا أحد الاحتمالات، الذي يتطلب تطريزاً من المايسترو “حزب الله”، أو على الأقل ما يسعى إليه الفريق الرئاسي، فإن هذا لا يستبعد الاحتمال الأكثر رواجاً، منذ أشهر، أي أن يستظل الفريق الرئاسي شعار الحكومة التوافقية والسياسية الجامعة، من أجل العودة إلى طرح شروط التوزير إياها واستفزاز سائر الفرقاء المسيحيين تمهيداً لاستبعادهم والاستئثار بالتمثيل في التركيبة الحكومية، من أجل التحكم بها في حال تولت صلاحيات الرئاسة الأولى في حال لم ينتخب رئيس جديد للجمهورية قبل تاريخ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل.

في اعتقاد أوساط سياسية متابعة للاتصالات التمهيدية للدعوة إلى الاستشارات النيابية أن ما يجري في الخفاء هو تحديد عناوين الصفقة التي يطمح إليها الفريق الرئاسي: إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتعيين بديل منه، تشكيلات قضائية تكرّس تقاسم المواقع المفتاحية في العدلية، تمرير التشكيلات الديبلوماسية التي تجمّدت بسبب ملاحظات الرئيس نجيب ميقاتي على المعايير، تمرير المراسيم المجمّدة من مأموري الأحراج إلى تعيين الهيئة الاتهامية في محكمة التمييز، إيجاد تسوية على تلزيم معامل الإنتاج للكهرباء لعلها تأتي بإضافة معمل سلعاتا إلى معملي دير عمار والزهراني… وصولاً إلى الاتفاق على سقف التنازلات التي يمكن للبنان أن يقبل بها في التفاوض على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، على أساس الخط 23، لا الخط 29.

العائق أمام صفقات كهذه هو العثور على رئيس الحكومة الذي يمكنه أن يسير في ركاب صفقة أو صفقات من هذا النوع، بعدما رفض ميقاتي بعضها، وتردد في شأن بعضها الآخر، وامتنع عن منح توقيعه على المطلوب.

في رأي الأوساط المعنية برئاسة الحكومة ودورها في المرحلة المقبلة أن رمي الأسماء والترشيحات للمنصب من كل حدب وصوب، سواء من داخل البرلمان، أو من خارجه، ومن شخصيات مغمورة يجري استقدامها من الخارج، هدفه التلويح لميقاتي بالبدائل منه في حال عاند الصفقة التي يأمل الفريق الرئاسي إبرامها، على أمل أن يرضخ نتيجة تدخل من “الثنائي الشيعي” لإقناعه بالسير في الحد الأدنى منها. لكن أي مرشح آخر يمكن أن يرضى بلائحة المطالب التعجيزية التي تطرح عليه؟ وهل أن تسمية شخصية مغمورة يمكن أن تقبل بها وتطلق اعتراضاً من أركان الطائفة السنية وحلفائهم لتتحول إلى شخصية غير “مرضٍ” عنها في طائفتها، فتتحول تسميتها إلى أزمة كبرى، توقظ الوسط السني من حالة الجمود التي يعاني منها بعد انخفاض مستوى تمثيله في البرلمان، وفي هذه الحال يتعذر على أي شخصية تأليف الحكومة، حتى لو كان ميقاتي، فيتكرّس السيناريو الرائج بوجود رئيس مكلف مع بقاء ميقاتي وحكومة تصريف الأعمال حتى نهاية العهد؟ السيناريو نفسه مرجح حتى مع تكليف ميقاتي نفسه، إذا رفض تلبية الدخول في لعبة توزيع المكاسب وتحميل العهد المقبل تركتها الثقيلة.

وإذا صح ما تسرّب عن أن لميقاتي شروطه في مقابل ما يطمح إليه الفريق الرئاسي، لأنه لن يقبل، كما قال، أن يكون “شاهد زور لأنه يعني الانتحار”، فإن النتيجة الطبيعية لإمعان هذا الفريق في سياسة فرض شروطه هي تكليفه من دون السماح له بالتأليف.

ترك ميقاتي نفسه الباب مفتوحاً للسيناريو الرائج بقوله قبل أسبوع في حديث تلفزيوني: ” إذا أخذ مجلس النواب دوره كاملاً يمكنني أن أقول اننا نستطيع أن نكمل بحكومة تصريف أعمال وإذا حصل العكس فلا أظن أنه يمكننا أن نستمر لأكثر من سنة”. وبهذا الكلام هو لا يستبعد استمرار الفراغ الرئاسي مدة سنة!

شارك المقال