أوكرانيا: من المنتصر في الحرب الاقتصادية؟

حسناء بو حرفوش

ربما تعرضت روسيا للإذلال في ساحة المعركة، لكن الفائض التجاري البالغ 96 مليار دولار يشير إلى أنها لم تضعف اقتصادياً حسب إدعاءات القادة الغربيين. ووفقاً لقراءة في موقع (irishtimes) “تسود فكرة مفادها أن الحملة العسكرية لفلاديمير بوتين في أوكرانيا، والتكاليف الاقتصادية الباهظة التي تصاحبها، جزء من نمط تاريخي ظل يحدث منذ قرون. ومع ذلك، ما يحصل أشبه بلعبة نهاية جذابة لأعداء بوتين. وهناك أسبقية في روسيا حيث أدت الحملات العسكرية غير المدروسة للقيصر نيكولاس الثاني في آسيا، والتي بلغت ذروتها في الحرب الروسية – اليابانية، إلى تنشيط الظروف وتهيئتها للثورة الروسية في العام 1917، والتي أطاحت بالنظام القيصري.

وبالمثل، أدى غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان في العام 1979 إلى تراجع النظام، وفي النهاية لانهياره في العام 1989. فهل كان من الممكن أن يوقع بوتين مذكرة الموت السياسي الخاصة به مع هذه المغامرة العسكرية الأخيرة؟ من المستحيل قياس درجة التوتر السياسي الحالية في روسيا بالنظر إلى سيطرة النظام الخانقة على السلطة وسيطرة الكرملين شبه الكاملة على وسائل الإعلام. الاحتجاجات المناهضة للحرب معزولة ومتفرقة، فهل هذا بسبب عدم الحصول على دعم شعبي أو بسبب قدرة الحكومة على قمع المعارضة بسرعة؟ لا نعلم.

يصر برلمانيون أوروبيون على ضرورة كف الاتحاد الأوروبي عن دفع المليارات لبوتين يومياً مقابل موارد الطاقة، ومن غير المعروف مدى ضعف بوتين الذي جعل نفسه معرضاً للخطر من خلال غزو أوكرانيا. تميل معظم الثورات إلى الحدوث داخل بوابات القصر، مما يعني أنه من المرجح أن تتم الإطاحة بالقادة من قبل المطلعين أو الحلفاء السابقين وليس من خلال اقتحام شعبي للباستيل. ثم ان هناك مسألة الحرب الاقتصادية الموازية التي تخوضها روسيا مع الغرب. إذا أثبت العمل العسكري في أوكرانيا أنه إذلال وطني، مع تخفيض الأهداف الأولية في مواجهة الانتكاسات في ساحة المعركة وتزايد الخسائر، فليس من الواضح أن الحرب الاقتصادية تسير بالطريقة نفسها.

يتضمن الحظر التدريجي الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية، والذي شهدت الجولة الأخيرة منه إعلان بروكسل عن فرض حظر نفطي جزئي، بعض الإغفالات وبعض التجاوزات الكبيرة. بصرف النظر عن تجنبها الغاز الطبيعي، وهو عماد الاقتصاد الألماني والإيطالي، تعفي العقوبات، في الوقت الحالي، النفط عبر الأنابيب وتغطي فقط ثلثي واردات النفط الروسية كما أنها تستثني المجر. ويبدو أيضاً أن الحظر المفروض على الغاز الطبيعي أكثر إشكالية وأكثر بعداً. وتقول أوكرانيا إن العقوبات الأخيرة “غير كافية” وإن وتيرة الانتشار بطيئة للغاية.

ومع ذلك، روسيا ليست غاضبة تماماً من حيث قاعدة عملائها سواء مع الصين والهند الباحثتين بنهم عن الطاقة الروسية الرخيصة. وارتفعت الصادرات الروسية من النفط والغاز إلى الصين في نيسان بأكثر من 50% على أساس سنوي. والأهم من ذلك، يبدو أن كل جولة من العقوبات تؤدي الى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة، مما يوفر مزيداً من الموارد المالية للكرملين. في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2022، يمكن لبوتين التباهي بفائض في الحساب الجاري قدره 96 مليار دولار أي أكثر من ثلاثة أضعاف الرقم في الفترة نفسها من العام 2021، ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع عائدات النفط والغاز وانخفاض الواردات. وهذا الفائض هو الأعلى منذ العام 1994.

وتعتبر العائدات مصدراً مهماً للعملة الصعبة بالنسبة الى روسيا، وتمكّن النظام من دفع ثمن الواردات مع دعم الاقتصاد والروبل.

وقالت روسيا الشهر الماضي إن نصف عملاء “غازبروم” الروسية العملاقة البالغ عددهم 54 عميلاً فتحوا حسابات قبل المواعيد النهائية لدفع تكاليف إمدادات الغاز الخاصة بهم.

توقعات بالتراجع

وهذا لا يعني أن الاقتصاد الروسي لا يشعر بالآثار السيئة للعقوبات ومقاطعة الشركات المتزايدة. يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد سوف يتراجع إلى ركود عميق هذا العام، ويتقلص بنسبة تصل إلى 8.5%. كما سجل التضخم أعلى مستوى له في عقدين من الزمن بنسبة 17.8%. ولطالما شكلت الطاقة الورقة الرابحة لبوتين. وبينما يتحد القادة الغربيون في إدانتهم لعدوان موسكو العسكري، غيّر تصاعد الضغوط التضخمية دولياً والضغط على ميزانيات الأسر المشهد السياسي وهدد عزيمتهم. ومن الأمثلة على ذلك رفض المجر الواضح للمشاركة في جولة عقوبات الاتحاد الأوروبي الأخيرة. بل إن المشكلات التي تواجه البلدان الأكثر فقراً في العالم أكثر حدة، حيث يهدد الحصار المفروض على إمدادات القمح من موانئ أوكرانيا على البحر الأسود بنقص الغذاء في جميع أنحاء العالم النامي، وحيث أن الحرب تهدد بأن تصبح قضية أكثر استنزافاً، تزداد احتمالية حدوث تداعيات اقتصادية. ومن المفترض أن يسعى بوتين الى الافادة من هذا الوضع”.

شارك المقال