المرسوم 6433… الضامن الوحيد لحقوق لبنان في “كاريش”

هيام طوق
هيام طوق

منذ أشهر يدعو الخبراء اللبنانيون، المسؤولين وكل من هم في السلطة وفي مراكز القرار، الى التعاطي مع ملف ترسيم الحدود البحرية بجدية تامة وبوحدة في الموقف والتشبث بحقوق لبنان حتى الرمق الأخير من خلال مفاوضات الترسيم عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، إلا أن المعنيين والممسكين بالقرارات الوطنية الكبرى لم يبالوا بكل الدعوات والتحذيرات لاعتبارات لا تعد ولا تحصى وقيل فيها الكثير، وهم ومعهم الشعب والبلد يحصدون حالياً ما زرعوه، فأتت الغلة في سلة فارغة من كل خيرات بحرنا ومقدراته، وليس فيها سوى أكاذيب وصفقات وتضليل وكلام لا نكهة له ولا لون.

قُضي الأمر، ولم يعد ينفع البكاء على الأطلال، فسفينة انتاج الغاز عامت فوق حقل “كاريش” لتبدأ بعد أشهر قليلة باستخراج النفط فيما يغرق اللبنانيون في استحقاقاتهم الدستورية وتقاسم الحصص والمواقع البرلمانية والحقائب الوزارية، مع تأكيد الخبراء أنه عندما يتم انتاج أول متر مكعب من الغاز يصبح حقل “كاريش” خارج النزاع وفقاً للقانون الدولي، ويكون لبنان خسر أهم نقطة تفاوض في يده.

والغريب العجيب في القضية أن المسؤولين المختلفين على الحدود بين خطي 23 و29 والذين ماطلوا في الرد على اقتراح هوكشتاين، وهم يعلمون جيداً أن سفينة الانتاج أبحرت منذ مدة من سنغافورة نحو الحقل المتنازع عليه، استفاقوا فجأة من كبوتهم عندما وصلت السفينة الى البئر الذي تقدر ثروة انتاجه بمليارات الدولارات، وتوالت المواقف التي اعتبرت دخول السفينة الى منصة الحفر انتهاكاً لسيادة لبنان على مياهه الإقليمية.

وفيما شددت أوساط معنية بملف الترسيم على أنه لا بد من موقف لبناني واحد موحد في مسألة الترسيم، والتحرك الفوري نحو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأكمله لايقاف العمل في “كاريش”، لفتت الى أن الوضع لا يطمئن، وأننا أمام سيناريوهات عدة: إما اندلاع مواجهة عسكرية مع “حزب الله”، والتهديدات في هذا الاطار واضحة، أو يحرّك لبنان شكوى ضد اسرائيل الى الأمم المتحدة، وتعديل المرسوم 6433 والذي يفيد بأن حدوده البحرية من الخط 29 استناداً الى خرائط الجيش، أو دعوة الوسيط الأميركي الى بيروت لاستكمال المفاوضات، وهذا ما تم الاتفاق عليه بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اللذين توافقا على دعوة هوكشتاين للحضور الى بيروت للبحث في مسألة استكمال المفاوضات لترسيم الحدود البحرية الجنوبية والعمل على انهائها في أسرع وقت ممكن، وذلك لمنع حصول أي تصعيد لن يخدم حالة الاستقرار التي تعيشها المنطقة. كما تقرر القيام بسلسلة اتصالات ديبلوماسية مع الدول الكبرى والأمم المتحدة لشرح موقف لبنان، ولتأكيد تمسكه بحقوقه وثروته البحرية، واعتبار أن أي أعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها إسرائيل في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازاً وعملاً عدوانياً يهدد السلم والأمن الدوليين، وتعرقل التفاوض حول الحدود البحرية التي تتم بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة.

التوافق بين الرئاستين الأولى والثالثة على دعوة هوكشتاين تم، ولكن هل يلبي الوسيط الأميركي الدعوة؟ وفي حال عاد الى بيروت كما توقعت أوساط عدة، فهل يكون المسار التفاوضي انطلاقاً من الخط ٢٩ كما اعتمده الفريق العسكري الفني المفاوض أو الخط ٢٣ كما أعلن الرئيس عون والذي يعتبر تنازلاً لبنانياً لإسرائيل؟ وفي حال عدم العودة الى المفاوضات، ما هي السيناريوهات المتوقعة خصوصاً وأن البحرية الإسرائيلية تستعد لاحتمال تعرض منصة “كاريش” للهجوم وتقوم بنقل نظام القبة الحديدية بنسختها البحرية إلى المنطقة، وتحذر من أن أي ضرر يلحق بمنصات الغاز سينظر إليه على أنه إعلان حرب؟ وما صحة المعلومات عن أن الباخرة لم تدخل بعد المنطقة المتنازع عليها وأن ما يجري ربما يكون مسرحية للضغط على لبنان لتسريع الملف التفاوضي؟

شدد رئيس الوفد التقني العسكري السابق المفاوض حول الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن بسام ياسين على أن “من المفترض أن يصر لبنان على الخط 29 لأنه الخط الوحيد القانوني”، معرباً عن اعتقاده أن “الوسيط الأميركي لن يعود الى بيروت قبل التهديد بتعديل المرسوم 6433 وتسليمه الى الأمم المتحدة. وبدل تضييع الوقت بإصدار البيانات، فلتعقد الحكومة جلسة في أسرع وقت لتعديل المرسوم وايداعه الأمم المتحدة حينها يأتي الوسيط، والاسرائيلي يطالب بالمفاوضات سريعاً لأنه لا يحتمل خسارة كاريش”.

وأكد أن “تعديل المرسوم هو الوحيد الذي يسمح للبنان بالحصول على حقه كاملاً لأن نقاط القوة الموجودة في الخط 29 لا يمكن نكرانها”، مبدياً أسفه “لأننا وصلنا الى الوضع الراهن، ولم يعد لدى لبنان ترف الوقت، والحكومة مطالبة باتخاذ قرار حول تعديل المرسوم والا نخسر كاريش، أي خسارة أهم ورقة بيد لبنان في ملف المفاوضات وعلى أساس هذه الورقة يمكن أن نجلب الشركات لاحقاً”.

وأشار الى “أننا كوفد عسكري مفاوض سابقاً، نتابع السفينة منذ انطلاقتها قبل 36 يوماً من سنغافورة وكنا نلاحق تحركها وأخبرنا متى ستصل، والآن الكرة في ملعب السلطة”، معتبراً أنه “لا يهم أين ترسو السفينة انما المهم سرقة الغاز والنفط من حقل مشترك”.

وقال: “أنا ضابط متقاعد وقيادة الجيش تتخذ القرار المناسب اذا طلب منها تسلم الملف. واذا كلفت بملف التفاوض، فلن أتابعه الا بموقف وطني واحد وموحد حول الخط 29 كي نحصّل غالبية حقوق لبنان”. ورأى أنه “في حال لم يتخذ لبنان الخطوات اللازمة، تصبح كل الخيارات مفتوحة، اذ أن الخيار الديبلوماسي والقانوني يكون له تأثير كبير كما أن الخيار العسكري متاح أيضاً. لست متفائلاً بملف الترسيم لأن مع المسؤولين هناك دائماً ضياع للحق وتضييع للوقت. أتفاءل عندما أرى لبنان موحداً حول قرار واحد يحفظ الحقوق.”

من جهته، لفت العميد الركن هشام جابر الى أن “الوسيط الأميركي قال ما لديه عندما كان في لبنان، وجمّدت المفاوضات، واستفادت اسرائيل من هذا التجميد بالاسراع في انتاج النفط”، معتبراً أن “الوسيط الأميركي لن يعود الى بيروت قبل أن يحصل على رد نهائي ورسمي من السلطة اللبنانية التي يهمها ارضاؤه ومن خلاله أميركا اذ أن لكل طرف أسبابه لذلك”.

وقال: “اليوم نحن أمام الاستحقاق وأمام الأمر الواقع. الوفد العسكري يجب أن يعود الى التفاوض لأن الجيش يتمتع بالكفاءة والخبرة ولديه الملف الكامل والوثائق والخرائط حول الحدود البحرية كما أن الجميع يثق به”. وذكر بأن “الوسيط الأميركي قال أكثر من مرة في مجالسه الخاصة ان ملف اسرائيل ضعيف لكنها تقف موقفاً واحداً وتتمسك بمطالبها فيما ملف لبنان قوي لكن لا يتحد السياسيون حوله”.

أضاف: “قبل دعوة الوسيط الأميركي، على لبنان ارسال المرسوم 6433 معدلاً الى الأمم المتحدة لحفظ حقوقه، لأن اسرائيل الى حين عودة الوسيط تكون قد بدأت بالتنقيب. كما على لبنان الرسمي أن يتخذ موقفاً صارماً وموحداً، ويبلغ الدول المعنية موقفه الرسمي. وفي حال اتخذت هذه الخطوات الضرورية، يؤجل التنقيب خصوصاً وأن الفرنسيين دخلوا على الخط”.

وأوضح أن “قدرة الجيش البحرية ضعيفة، واذا تحرك وأطلق صرخات تحذيرية للباخرة، فلننتظر رد فعل الاسرائيلي. في حال اعتدى على الجيش حينها يحق لحزب الله التحرك ولكن لا يمكن أن يبدأ الحزب بفتح النار لأن ذلك يمكن أن يجر الى جبهة، وهذا ما يسمى بقرار الحرب والسلم”، معتبراً أن “ما يجري ربما يكون مسرحية للاسراع في المفاوضات”.

شارك المقال