“انيرجيان باور” تستنفر المسؤولين… وتحصل على ضمانات أمنية

محمد شمس الدين

مرّ اليوم الثاني من اجتياح سيادة لبنان ومحاولة سرقة ثرواته النفطية عبر باخرة “انيرجيان باور” التي رست على الحدود المتنازع عليها مع العدو الاسرائيلي، وسط ردود فعل سياسية محلية وتعليق اسرائيلي، اذ اجتمع الرئيسان ميشال عون ونجيب ميقاتي على التوافق على دعوة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، لاستكمال المفاوضات لترسيم الحدود والعمل على انهائها في أسرع وقت ممكن. واعتبرا أن أي أعمال استكشاف أو تنقيب أو استخراج تقوم بها اسرائيل في المناطق المتنازع عليها، تشكل استفزازاً وعملاً عدوانياً يهدد السلم والأمن الدوليين. في المقابل، أعلن وزير الدفاع الاسرائيلي بني غانتس، أن الخلاف مع لبنان بشأن الغاز الحدودي سيتم حله عبر الوساطة الأميركية. ولكن هل كانت أي شركة تنقيب أو استخراج للنفط لتجرؤ على القيام بخطوة استفزازية، كما فعلت الباخرة اليونانية، من دون الحصول على ضمانات أمنية من كل الأطراف المعنية؟ وما هي الخطوات الواجب على لبنان القيام بها؟

أكد مدير “مركز معلومات ودراسات الطاقة” في لندن الخبير الاقتصادي مصطفى البزركان في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “كل شركات التنقيب عن النفط والغاز، تبحث عن ضمانات أمنية لطواقمها ومعداتها قبل أن تبدأ بأي عملية تنقيب، خاصة في مناطق صراعات عسكرية ونزاعات جيو – سياسية. ولذلك، مع النزاع المتواصل حول الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل لا بد أن الشركة حصلت على ضمانات لأمان عامليها، وتحديداً أن الجميع يعلم طبيعة النزاع الحدودي – البحري حول المياه الإقليمية القائم منذ العام 2000”.

وأوضح البزركان أن “منطقة شرق المتوسط تضم مخزوناً كبيراً من مصادر الطاقة الأحفورية من النفط والغاز، والأخير هو الثروة الطبيعية ضمن حقول ضخمة مشتركة. لذلك، نظرياً من الممكن حفر آبار من مناطق مختلفة للحقل نفسه، وذلك يعتمد على دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية تسبق أي عملية للحفر والتنقيب. وبالتالي من الواضح أن اسرائيل لديها دراسات جدوى جيولوجية تفصيلية منذ سنوات، من خلال خبراتها في مناطق وحقول أخرى، لا يمكن مقارنتها بما يتوافر، إن توافر من دراسات وتفاصيل جيولوجية لدى لبنان. ومن الواضح أن القدرات التكنولوجية للتنقيب والاستخراج قد تطورت خلال السنوات القليلة الماضية بما يضمن أقل التكاليف وأعلى الربحية”.

واعتبر أن “الثروات الطبيعية وخاصة النفط والغاز يمكن أن تكون نعمة ونقمة… يمكن أن تكون سبباً للحروب كما حصل في مختلف مناطق العالم. ويمكن للثروات نفسها أن تكون سبباً لإحلال السلام في مناطق تشهد صراعات عسكرية وحروباً لعقود”، مشيراً الى أن “الثروات الطبيعية لشرق المتوسط يمكن أن تكون محفزاً اقتصادياً للتعاون والاستثمار شرط أن يكون العدل أساساً في ذلك. والأسلوب الأمثل لاستثمار لبنان في طاقاته وثرواته الطبيعية هو الاستعانة بشركات قانونية دولية إلى جانب شركات نفط وغاز تتمكن من مواجهة الشركات التي تستخدمها دول أخرى في المنطقة. وبدافع الربحية سيكون من مصلحة الشركات الإقليمية والدولية التعاون، لما يكون فيه مصلحة لبنان الاقتصادية والأمنية ولكن عليه أن يوفر بيئة أمنية مطلوبة لعمل الشركات”.

ورأى البزركان أن “النزاعات السياسية الداخلية شغلت لبنان عن الاهتمام بهذا الملف المهم بل والمصيري اقتصادياً بالنسبة اليه، لا سيما أنه يعاني من أزمات اقتصادية حادة”، معرباً عن اعتقاده أن “من الأفضل الاتفاق لبنانياً على متابعة الملف بعيداً من الصراعات السياسية، وبالتالي تحقيق مصالح الشعب اللبناني الذي يحتاج الى استثمار ثرواته. أما بالنسبة الى الجهود اللبنانية فقد تكون متمكنة تقنياً إلى حد ما، ولكن صناعة الغاز معقدة ومتشعبة ولذلك من الأفضل الاستعانة بشركات معروفة قد تكون إقليمية، منها تركية، يونانية، إيطالية وغيرها أو شركات دولية. ولابد من الأخذ في الاعتبار حاجة أوروبا الى الغاز الطبيعي بعد حرب أوكرانيا واستراتيجية إنهاء الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، مما يمثل فرصة ذهبية لدول شرق المتوسط”.

أما عن الخطوات التي يجب على لبنان اتخاذها اليوم عبر الأطر الديبلوماسية، فشدد الباحث في العلاقات الدولية علي حمود على وجوب “إقرار المرسوم 6433، الذي يثبت حقوق لبنان، وإرساله إلى الأمم المتحدة. فالوثائق المودعة من لبنان لدى الأمم المتحدة سابقاً، تسمح بتعديل الإحداثيات في حال استجدت معلومات بيّنت أن هناك خطأ ما، وبحسب قانون البحار حق لبنان هو الخط 29، ولا يمكن لاسرائيل أن تعتبر صخرة تخليت جزيرة كي تقرصن الثروة اللبنانية، والدراسات حتى المستقلة منها تعطي لبنان هذا الحق، كالدراسة البريطانية في العام 2011”.

ولفت حمود الى أن “باخرة التنقيب انتهى دورها منذ فترة، وباخرة (انيرجيان باور) التي وصلت بالأمس عملها هو استخراج الغاز وتحويله إلى الغاز الطبيعي السائل، وذلك من أجل تصديره قبل الشتاء إلى أوروبا، التي تعاني من أزمة بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، بهدف إعطاء أوروبا استقلالاً عن الغاز الروسي”، الا أنه استبعد هذا الأمر “لأن روسيا تعتبر موضوع الغاز مسألة أمن قومي، واستفزازها بهذا الشكل قد يؤدي إلى تحركات عسكرية، فقد يتم ضرب الطائرات الحربية التي تقوم بمهمات فوق سوريا، أو يمكن الإيعاز بضرب البواخر أو المنصات التي تستخرج النفط، لذلك إذا لم يتم إيجاد حل للحرب في أوكرانيا، فقد نكون أمام تصعيد خطير في المنطقة. أما لبنان فمصيبته أن القوى السياسية فيه قرارها خارجي وهي لم تتعاط مع الملف بصورة جدية”.

شارك المقال