خفة دم الشيخ نعيم

عالية منصور

في الفن أحياناً كثيرة لا تكون الموهبة سبباً كافياً للشهرة. فللشهرة متطلبات كثيرة وخصوصاً في عصر السرعة الذي نعيشه، فقد تجد فناناً صاحب موهبة حقيقية ولكنه يعيش حياته مغموراً أو من نجوم الصف الثاني والثالث ولا يحالفه الحظ كما قد يحالف فناناً أقل منه موهبة تجده يتصدر أغلفة المجلات وشبابيك التذاكر.

الشيخ نعيم قاسم تنطبق عليه مواصفات الفنان “الموهوب”، ولكنه حتى اليوم لم يصبح نجم شباك التذاكر الأول ولم يأخذ حقه من الشهرة على الرغم من “خفة ظله” وقدرته العالية على اقناع الجمهور بالدور الذي يقوم به.

فنائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ ذو الظل الخفيف نعيم قاسم أحب مؤخراً أن يلعب دور المؤمن الحقيقي بالدولة ومؤسساتها، خادم الدولة المطيع، فعلق على تطورات ملف ترسيم الحدود البحرية واستقدام اسرائيل باخرة الحفر إلى محاذاة المياه اللبنانية، بالقول ان “حزب الله” مستعد لاتخاذ إجراءات “بما في ذلك القوة”، ضد عمليات التنقيب الإسرائيلية عن الغاز، في المناطق البحرية المتنازع عليها، بمجرد أن تعلن الحكومة اللبنانية انتهاك إسرائيل حدود لبنان البحرية.

وأكد الشيخ نعيم أنه “عندما تقول الدولة اللبنانية بأن الإسرائيلي يعتدي على مياهنا ويعتدي على نفطنا، فنحن حاضرون أن نقوم بمساهمتنا في الضغط والردع واستخدام الوسائل المناسبة بما فيها القوة، من أجل منع إسرائيل من أن تعتدي على مياهنا ونفطنا”. صحيح أن الشيخ يلتزم بالدولة وما تقوله، ولكنه يلعب أيضاً دور الشخصية المركبة، ليخبرنا أنهم، أي “حزب الله”، والدولة كيانان متساويان.

الشيخ الموهوب أكد أنّ “قرار حزب الله واضح، عندما تقول الدولة بأن هذه المنطقة متنازع عليها واعتدت عليها إسرائيل فسنرد. أما إذا لم تقل الدولة ذلك ولا زالت في مرحلة البحث، هل هي متنازع عليها أم لا، هل دخلت السفينة إلى منطقة متنازع عليها أم لا، فسننتظر حتى يحسموا هذا الأمر ويتخذوا القرار”. موهبة تقنعك بكل تفاصيل الدور الذي يلعبه الشيخ نعيم، ومن خلفه “حزب الله” وكل ما عليك كمشاهد فعله هو أن تنسى تماماً دوره وحزبه في مسرحية مزارع شبعا، أو تنسى حرب تموز أو تقنع نفسك بأنهم استأذنوا الدولة خطياً ليقوموا بخطف الجنود الاسرائيليين، فيدمر لبنان ويستشهد اللبنانيون، فيعود سمير القنطار ليستأذن الحزب مرة جديدة الدولة اللبنانية قبل أن يرسل القنطار وغيره من عناصر ميليشيا الحزب للمشاركة في حرب الأسد على السوريين.

مشهد عليك وأنت تشاهده وتحاول أن تقتنع بموهبة الممثل فيه أن تنسى الاغتيالات والتهديدات المعلنة التي أطلقها الشيخ نعيم مراراً ضد الخصوم وأحياناً الأصدقاء، أن تنسى كيف أضرّ وحزبه بعلاقات لبنان العربية والدولية، وكيف استنزف الدولة وخزينتها لصالح تمويل الميليشيا وحروبها، ما عليك الا أن تنسى كل ذلك وأكثر وتصب كل تركيزك على “موهبة” الشيخ وخفة دمه.

لقد بات المشهد السياسي في لبنان مؤخراً أشبه بالأفلام التجارية التي راجت في مصر في فترة ما وسميت “أفلام المقاولات”، انتاج سيء واخراج سيء وتمثيل سيء وكل ما فيها سيء، استخفاف بالذوق العام، عدم احترام المشاهد وعقله، وهكذا هو فن الشيخ نعيم قاسم، يحاول أن يكون نجم تذاكر كوميدياً فيزيد على المشهد العام سوداوية.

شارك المقال