الحرب الأوكرانية تختبر الاستجابات العالمية

حسناء بو حرفوش

كرست مجلة “فورين أفيرز” الأميركية عددها الشهري، لموضوع “العالم ما بعد الحرب”، وركزت فيه على بداية حقبة جديدة سطّرتها الحرب الأوكرانية التي وضعت الدول بمواجهة جديدة مع المخاطر والتهديدات التي اعتبرت لفترة طويلة أن الزمن قد عفا عليها.

وحسب افتتاحية المجلة، “الحرب في أوكرانيا أبعد ما تكون عن خواتيمها. لا بل من المرجح أن تستمر لأسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، سواء أكان ذلك على شكل صراع طاحن أو تمرد سعيا لقلب احتلال ما أو حتى كارثة عالمية. ومع ذلك، ظهر جليا منذ اللحظة التي أطلقت فيها أولى الصواريخ، أن الغزو يمثل بداية حقبة جديدة… حقبة لن تتحدد فقط بالنتيجة على الأرض في أوكرانيا ولكن أيضًا من خلال الاستجابة العالمية لها. وأظهر الأوكرانيون عبر مقاومتهم للهجوم الروسي، بقوة ما هي الأمور التي تقف على المحك بالنسبة لهم، بينما يتخبّط باقي العالم في حساباته.

أما بالنسبة للأميركيين، كما يجادل روبرت كاجان، فتمثل الحرب تذكيرا صارخا “بأنهم جزء من صراع لا ينتهي على السلطة، سواء أكانوا يرغبون في ذلك أم لا” و”هناك بالفعل أشياء أسوأ من هيمنة الولايات المتحدة”. بالنسبة للنظام الدولي، تهدد الحرب كما كتبت تانيشا فضل في قراءة لها، المبدأ الذي كان يقوم عليه الاستقرار لعقود: “لقد تم اختبار القاعدة ضد الغزو الإقليمي بأكثر الطرق تهديدًا وحيوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية”. وبالنسبة لصانعي السياسة الغربيين، ترى المحللة ستايسي غودارد، أن الحرب تؤكد على قيمة “السياسة الواقعية المؤسسية”، وهي الاستراتيجية التي تسعى لاحتواء التحديات التنقيحية المنسقة والمتميزة التي تشنّها الصين وروسيا، بدلا من إلغاء النظام الدولي الحالي.

بوتين والقومية المعادية للغرب

أما فيما يتعلق بفلاديمير بوتين، فتعكس الحرب ما يصفه المحلل دانيال تريسمان بأنه “نمط ناشئ… نمط يتميز بالقومية المعادية للغرب والخطابات الغاضبة المبررة للذات واستخدامات القوة المفتوحة بشكل متزايد”، أولاً في الداخل ثم في الخارج. أما بالنسبة للأوكرانيين، فتمثل الحرب هجومًا على تاريخهم، من ضمن أشياء أخرى كثيرة، في الوقت الذي يصر فيه بوتين حسبما توضح المحلّلة آنا ريد، على “اللجوء إلى القوة العسكرية والرقابة الشمولية في محاولة عبثية لجعل الواقع أقرب إلى الأسطورة”.

طرفة عين تاريخية

وفي غضون ذلك، فرضت الحرب بالنسبة للعالم أجمع مواجهة جديدة مع المخاطر والتهديدات التي أخذت من ضمن المسلّمات. واتضح كما يؤكد ستيفن كوتكين في تحليله الشامل للجغرافيا السياسية في الماضي والحاضر، أن “استراحة الغرب القصيرة نسبيًا من منافسة القوى العظمى مع روسيا شكلت طرفة عين تاريخية”.

آخر المستجدات

وفي آخر المستجدات، دعا الرئيس الأوكراني ​فولوديمير زيلينسكي​، ​الاتحاد الأوروبي​ لاتخاذ خطوات تاريخية من أجل أن تصبح أوكرانيا جزءاً من ​أوروبا، مشددا على تمسك الأوكرانيين بالمقاومة حتى تحرير كامل أراضي الدولة. كما حذر من من أن موسكو تواصل انتهاك جميع المواثيق والاتفاقات الدولية، لافتا إلى أن ذلك يعني أن “الغزو الروسي لن يتوقف عند حدود أوكرانيا”.

وكانت واشنطن ولندن قد أعلنتا عن تزويد أوكرانيا بـ”أنظمة إطلاق صواريخ متعددة يبلغ مداها نحو ثمانين كيلومترا، أي أكبر بقليل من الأنظمة الروسية، لكن من غير الواضح متى سيتمكن الأوكرانيون من البدء في استخدامها”.

وفي غضون ذلك، تستمر المخاوف من أزمة الغذاء في ظل رفض أوكرانيا تطمينات موسكو بخصوص صادرات القمح، خصوصا في غياب الضمانات الأمنية والإصرار الروسي على تفتيش ناقلات الحبوب الدولية قبل دخولها إلى أي ميناء أوكراني. هذا في ظل ترجيحات غربية بأن موسكو ستوافق على ممر الحبوب عبر البحر الأسود مقابل تخفيف ورفع بعض العقوبات الغربية التي تستهدفها.

شارك المقال