بائعو الغاز مكتشفو الإنحياز

الراجح
الراجح

منذ اطلالة الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله في 25 أيار الماضي وحديثه عن أعظم انتصار في التاريخ المعاصر، مذكراً بخطاب بيت العنكبوت الذي برأيه حفر عميقاً في المجتمع الاسرائيلي الذي تعيش دولته عقدة الثمانين عاماً كون الكيان عمره أربعة وسبعون، والسؤال المطروح بحسب الأمين العام: “هل سيستمر هذا الكيان؟”. وفي مكان آخر تحدث عن موضوع سلاح الحزب رادّاً على المطالبين بتسليمه الى الدولة اللبنانية، وقال بالحرف: “أول شي خلّي يبقى دولة ويبقى بلد حتى تجي تطالبنا بتسليم سلاحنا”. وأضاف: “تعوا بالأول نحنا ويّاكم نشوف كيف مؤسسات الدولة رايحة الى الانهيار، قوى الأمن والجيش يتقاضون لا شيء. أولاً حلّوا المشاكل المالية للجيش وبعدين تعوا نحكي بالسلاح”. وأكد أن خيار لبنان القوي الغني بالمقاومة هو المطلوب لأنها قادرة على حماية الكنز في البحر، وأن الثروة النفطية تقدر بحسب دراسة متخصصة بـ 500 مليار دولار وليس 200 مليار كما ذكر سابقاً.

هذا هو لبنان القوي الذي يريده الأمين العام وليس لبنان الضعيف المتسول على أبواب الدول وخاصة دول الخليج العربي. وعندما بدأ البحث في الحدود البحرية والخط 29 بدلاً من 23 وفي اقتراب اسرائيل من بيع الانتاج المستخرج من الغاز، قرر الأمين العام أن يقف خلف الدولة الضعيفة المتسولة مؤتمراً بأوامرها، محذراً من انحياز المندوب الأميركي آموس هوكشتاين الى إسرائيل. هل يعلم المتحدثون عن الانحياز الأميركي الى إسرائيل شيئاً من التاريخ؟ فلنبدأ من جورج واشنطن الى جو بايدن:

في كلمة موجهة الى الجيش الأميركي ألقاها جورج واشنطن بعد سنتين فقط من انسلاخه عن بريطانيا العظمى، أي في العام 1779، قال بالحرف: “أن يظل الرب صانع المعجزات الذي خلّص العبرانيين (؟!) في الأزمنة القديمة من مضطهديهم المصريين، وزرعهم في أرض الميعاد (!) يسقيهم من ظل السماء… وأن ينعم ذلك الرب القدير يهوه (!) على كل مَن في الولايات المتحدة التي تأسست بقدرته، بالبركات الدنيوية والروحية التي أنعم بها على شعبه” (أي اليهود شعب الله المختار).

قد يتبادر الى ذهن القارئ “المسكين” أن خطأ وقع بين كلام لهرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، “صفّته” المطبعة خطأ بإسم محرر الشعوب البيضاء وسفاح الهنود “المستر جورج واشنطن” وبينه.

لكن الحقيقة كل الحقيقة أن هذا الكلام كتبه ونطق به أول رئيس على الولايات المتحدة الأميركية مترجماً بنصه الحرفي عن موسوعة “تاريخ الولايات المتحدة الأميركية” – الجزء الأول – الفصل الثالث، وقد تُرجِم الى العربية ونشر في كتاب جريء وضعه الباحث المصري الأستاذ شفيق المقّار عنوانه “المسيحية والتوراة” الفصل الثاني – ص 162 – صدر عن دار منشورات رياض الريس – بيروت.

مفاجئ هذا الكلام؟

نعم والى حدود الوقاحة. لكن من يتبع بحث الأستاذ المقّار يكتشف أن تسعين بالمئة من رؤساء أميركا كانوا صهاينة، فالرئيس الثاني لأميركا واسمه جون آدامز الذي ترأس من العام 1797 حتى العام 1801 سعى الى أن يكون أكثر وضوحاً وأشد صراحة من سلفه جورج واشنطن، فأعلن عن الرغبة في أن يعود اليهود ثانية الى أرض يهوذا (فلسطين) كأمة مستقلة، مكملاً شرحه بالتالي: “لأني أؤمن بأن خيرة رجال الأمة اليهودية قد أسهموا في تحسين فلسفة العصر” (المصدر نفسه أميركياً وعربياً). اذاً، وببساطة لا تحتاج الى شرح، أو طروحات، فإن مؤسسي أميركا سبقوا وتسابقوا على تأسيس دولة العدوان والعنصرية اسرائيل قبل مجرميها الروحيين من أمثال هرتزل ووايزمن وما فرّخ تحتهم… بعد ذلك، أليس مضحكاً تصريحات بعض “المقاومين” والمنظرين و”الخبراء” وبعد مضي كل هذه السنين من الحروب أن تراهم لا يزالون كمدمني سباق الخيل، يراهنون على أن الرئيس الأميركي الفلاني “منحاز” الى إسرائيل وأن سلفه كان “متفهماً لقضايا العرب”؟!.

الحقيقة التي لا أقول يجب، بل يعرفها كل عربي هي أن اميركا واسرائيل جسمان في روح واحدة، أو اذا أحبت جماعة الممانعة روحان في جسم واحد، وأن مهزلة هذا ديموقراطي وذاك جمهوري كذبة سخيفة، لأن القوى التي تحكم وتتحكم بأميركا هي هي وأحياناً وبين ليلة وضحاها تنتقل من سلة “الديموقراطيين” الى خابية “الجمهوريين”. ولكل مكتشفي الإنحياز والروابط بين أميركا واسرائيل يصح فيهم – وبكل أسف – كلام موشي دايان وزير دفاع اسرائيل حين “تعنتر” بعد هزيمة 5 حزيران 1967 قائلاً: “لو قرأ زعماء العرب ما كتبناه ونشرناه قبل 5 حزيران لما فوجئوا بما حدث”. فلنقرأ جيداً في هذه المرحلة كي لا نفاجأ أبداً…

شارك المقال