الفراغ الحكومي والرئاسي هذه المرة يعني الارتطام الكبير

وليد شقير
وليد شقير

بين خوض رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل معركته الأخيرة قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وسعي الرئيس نجيب ميقاتي الى أن يكون قيّماً على نهاية العهد، آملاً في إنجاز ما يؤهله للاستمرار في العهد المقبل، ينتظر أن يمر استحقاق تأليف الحكومة الجديدة بمسار شديد الصعوبة يقحم البلد في حال من الشلل يمنع حتى إدارة الأزمة التي يتخبط فيها.

يشعر الفريق الرئاسي أنها فرصته الأخيرة من أجل إنقاذ نفسه من الانحدار الذي استطاع “حزب الله” التخفيف من وطأته على دور “التيار الوطني الحر” وحجمه المتراجع بعد النقمة على أدائه في السنوات الماضية، بسبب تدخله في الانتخابات النيابية لضمان فوز 6 إلى 7 نواب عبر تجييره آلاف الأصوات من جمهوره وجمهور بعض حلفائه لمرشحيه. وإذ ينسب لنفسه في عملية حسابية ولّادية أنه حصل على الكتلة النيابية الأكبر، يكثر رئيس “التيار” من رفع الصوت وخوض معركة تأليف الحكومة بأساليب مفتعلة وطرح مطالب غير قابلة للصرف أو للتحقيق.

ويخوض باسيل معركته بهدف استبعاد ميقاتي عن رئاسة الحكومة على الطريقة نفسها التي خاضها ضد زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري، متوهماً أنه هو من دفع بالأخير إلى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، في وقت كان أداة في يد “حزب الله” لإخضاع الرئاسة الثالثة لمزيد من الإضعاف والتهميش، بعد أن أدى استتباعه الرئاسة الأولى لمقتضيات المواجهات الإقليمية التي يخوضها في سياق المشروع الإيراني إلى تحويل “الرئيس القوي” إلى رئيس شديد الضعف لا يفعل سوى تكرار معزوفة الإصلاح ومحاربة الفساد، في وقت يُتهم رجالاته بالانغماس في موبقاته، ولا يجدون حجة أو شعاراً سوى “ما خلونا”. وهذا سبب تحول هذه الحجة إلى أضحوكة وسط الجمهور المسيحي الذي كان يدين بالولاء له، قبل جمهور أي زعامة في طوائف أخرى.

لكن باسيل يسعى مرة أخرى إلى ابتزاز الحزب بامتناعه عن التناغم معه والقبول بتقطيع المرحلة بتسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة. فهو يعتقد أن بإمكانه أن يلعب المناورة نفسها التي مارسها قبل الانتخابات بإعلان تمايزه عنه وبالحديث عن خلافه معه في مسألة بناء الدولة ومحاربة الفساد، لاسترضائه بإعانته على استلحاق بعض ما خسره على الصعيد الشعبي جراء التحالف معه وتحمله عبء التبعية لسياسته، مقابل المنافع التي حصل عليها في السنوات الماضية. أي أن باسيل يسعى إلى تكرار سيناريو تهديد الحزب بفك التحالف معه في العهد الرئاسي المقبل، إذا كانت المعادلة التي ستأتي برئيس الجمهورية لا تشمل ضمان حماية المكتسبات التي حققها في ظل رئاسة العماد ميشال عون. وفي الكواليس يلغط الوسط السياسي بالكثير من المعلومات عن حاجة باسيل إلى الحماية، هو الخاضع للعقوبات الأميركية وفق قانون ماغنتسكي، والتي عجز عن القيام بكل المساومات التي جرّبها من أجل رفعها، وهوالمستغرق في موقع العداء والخصومة مع الزعامات السياسية كافة، التي لم يترك للصلح مطرحاً مع أي منها، والغارق في حالة عداء غير مسبوقة عند أي سياسي لبناني مع سائر الدول العربية المؤثرة في لبنان، فضلاً عن حالة من الرفض والاعتراض على الصعيد الشعبي، لشخصه بحيث سيصبح مكشوفاً بعد انصراف عمه عن الرئاسة، حتى من بعض رفاقه في تياره السياسي.

يخوض باسيل معركة رئاسة الحكومة هذه المرة بلا هوادة وهو قال إن “تسمية رئيس الحكومة يجب أن تكون مستندة لا الى مواصفات الرئيس بل الى ملفات منها الانتخابات الرئاسية” ولعبة التعطيل التي شاركه “حزب الله” فيها من أجل ضمان انتخاب عمه للرئاسة بعد فراغ رئاسي استمر سنتين ونصف السنة، يأمل في ممارستها هذه المرة حتى على صعيد الحكومة، ولو كان بتعطيل حكومة تصريف الأعمال المرجح أن تستمر حتى انتهاء الولاية الرئاسية وإلى ما بعدها.

فحين يقول إنه “اذا كان هناك من يعتقد أنه ممسك بهذه الحكومة وأنه سيمسك بالبلد في حال الفراغ الرئاسي سنفاجئه”، فإنه يؤشر إلى أنه إذا جرى تكليف ميقاتي سيعمل، بإمساكه بتوقيع الرئاسة على مراسيم حكومته على منع التأليف، وأن الوزراء الذين يدينون بالولاء لـ”التيار الحر” في حكومة تصريف الأعمال سيمنعون اتخاذ أي قرارات تحتمها الضرورة والأزمة الخانقة المعيشية الخانقة التي يمر بها اللبنانيون، والحاجة الملحة الى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

ما يعد باسيل اللبنانيين به هو الانهيار الكامل والارتطام الكبير، لأن الفراغ الحكومي والرئاسي هذه المرة لا يعني سوى ذلك. والانتقال إلى هذا المستوى من التردي لا ينفع معه أي تفاوض على كسب ثمار ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، أو أي مساعدات إنسانية من الدول ستنفقها الدول الغربية والدول العربية في بعض المجالات وبعض المناطق.

شارك المقال