عندما يتحول الوطن إلى “غابة”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

عندما تتحول الوطنية إلى مجرد تمثال جميل بلا روح، ودمية ملتحفة ثوب الطائفية والمذهبية والمناطقية.

عندما يُنظَر إلى الدولة على أنها بقرة حلوب، عليها إرضاع الطوائف كافة بحسب حاجات الزعيم في كل طائفة.

عندما يكون الدستور كتاب فلسفة خاضع للأخذ والرد بحسب وجهات نظر هذا الزعيم أو تلك الطائفة.

عندما تصبح السياسة ساحة نفاق وتبادل منافع ومصالح شخصية، ويصبح النائب أو الوزير مجرد مخلِّص معاملات لدى الزعيم الأكبر.

عندما يصبح بعض رجال الدين مجرد أجراء ضمن المجموعة لتبييض القرارات السود، وتشريع الممنوع، وتحليل المحرم.

عندما تضع القضاء في أيدي “البلطجية” كاسري الأبواب ومقتحمي البيوت، والروبوتات المتحركة بـ”الريموت كونترول” الموجودة بأيدي ولي النعم الذي ولّاهَم.

عندما يكون السلاح بأيدي الزعران وعسس القائد المفدى، يحيي به ويميت، يرغِّب به ويرهب بإسم الدفاع عن الوطن.

عندما يصبح القلم بيد الجاهل، والميكروفون بيد الإنتهازي، والهواء مفتوحاً للمرابي الذي يتاجر بالكلمات والمبادئ لمن يدفع أكثر.

وعندما تضع المال بأيدي اللصوص، والتجارة بأيدي قطاع الطرق، والمصارف بأيدي المقامرين، والخدمات بأيدي المحاسيب والأذيال.

عندما تضع الشخص في المكان غير المناسب، لا بل في المكان المعاكس لمجرد أنه ذو ثقة لأنك تعتبر أنك أنت الخبرة كلها.

عندها يتحول الوطن إلى “غابة” للوحوش تسرح فيها وتمرح، وتفترس ضحاياها من دون شفقة أو رحمة أو خوف من حساب.

تصبح مجزرة أنصار بحق عائلة بكاملها مجرد خلاف عاطفي، ومذبحة الدوير بحق الجيران خلاف على شطف درج، وجريمة سحمر بحق الزوجة ليست تعنيفاً بل مجرد خلاف عائلي، ومذلة مجدل العاقورة بحق العمال الفقراء كباراً وصغاراً ليست جريمة ضد الانسانية بل تصرف فردي أرعن يُحل حبياً، وإنتحار طفلة في الضنية بسبب إجبارها على الزواج المبكر ليس جريمة ضد الطفولة بل حادثة عادية في القرى النائية، والإعتداء في أحد المخيمات على قاصر من ذوي الإحتياجات الخاصة ليس جريمة مزدوجة ضد الطفولة وأصحاب هذه الإحتياجات بل هو مجرد فعل شائن قام به مهووس من العائلة ولا يستحق “الشوشرة” على العائلة والسلطات القائمة على المخيم .

عندما تتخلى عن مسؤولياتك وتضع اللوم على غيرك من “ديوك المزبلة” بحجة “ما خلوني”، و”ما تركوني إشتغل”، و”وضعوا العصي بدواليبي”، عندما تفعل كل هذا وما سبق مع غيرك بالتكافل والتضامن في ما بينكم، وعندما يتحول الوطن إلى “غابة”، فاعلم أنك في لبنان، وأنك في عهد سمّي “العهد القوي” وأنك في حمى رئيس سمّي “بي الكل” وزعماء منهم السيد والبيك، ومنهم الشيخ والأستاذ، ومنهم الحكيم والمهندس، ومنهم الأب والإبن والزوجة والصهر وكل ما يمت الى العائلات “الروحية” بصلة، ما عدا صلة القرابة مع الشعب والناس الذين ينطقون بإسمهم ويأخذون توكيلهم في مهزلة الإنتخابات، ليحوّلوا الوطن إلى حديقة فإذا بهم يحوّلونه إلى “غابة”.

شارك المقال