أوهام سورية في لبنان

عالية منصور

كثرت في الآونة الاخيرة التحليلات التي تتوقع عودة النظام السوري إلى لبنان، بعد 16 عاما على انسحابه مرغماً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وما زاد من توارد هذه التحليلات الأنباء التي تحدثت عن زيارة مبعوث سعودي إلى دمشق، إضافة إلى إعلان بعض الدول العربية عن ضرورة عودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية، والتطبيع معه لما سيؤدي ذلك، من وجهة نظرهم، إلى إضعاف نفوذ إيران في سوريا.

ويرى أصحاب هذا الرأي، أن الدول العربية هي من ستؤيد بل وستطلب من رئيس النظام السوري العودة إلى لبنان. أولاً، لأن اللبنانيين فشلوا خلال السنوات الأخيرة في حكم أنفسهم بأنفسهم، فبات التعطيل والفراغ هما السمة الأبرز للحياة السياسية اللبنانية، ولم ينتج عن ذلك سوى انهيار مالي واقتصادي وأزمات يعيشها اللبنانيون ولا يبدو أن لها نهاية قريبة.

والذريعة، أو السبب الثاني، لعودة نظام الأسد إلى لبنان، وفقا لهذا الرأي، هو أن النظام السوري “وحده” القادر على وضع حد لهيمنة “حزب الله” على الدولة والمؤسسات.

ولكن غاب عن أصحاب هذا الرأي عوامل عدة. وأهم ما غاب عنهم هو الواقع السوري نفسه، فسوريا 2021 ليست نفسها سوريا 2005. وإن كان النظام السوري يومها ضعيفاً بعد ارتكابه عدداً كبيراً من عمليات الاغتيال والتفجيرات في لبنان والمقاطعة العربية والدولية له آنذاك، إلا أنه اليوم بات أضعف بكثير بعد حجم الجرائم التي ارتكبها منذ قيام الثورة ضده في العام 2011 والعقوبات التي فرضت عليه وقطع معظم دول العالم علاقاتها معه. ومع أن نظام الأسد كان يومها، أي في العام 2005، على علاقة وطيدة جداً بإيران، إلا أنه تحول اليوم إلى مجرد تابع لإيران مثله مثل أي ميليشيا تدعمها، وبات مديناً لإيران بوجوده بالمعنى الحرفي للكلمة.

سوريا 2021 لم يعد لديها جيش لترسله إلى لبنان، فالحرب التي خاضها النظام على الشعب السوري أنهكت الجيش وتسببت بفقدانه عدداً كبيراً جداً من عناصره، إن بسبب الانشقاقات أو بسبب الموت.

سوريا 2021 يوجد على أرضها جيوش خمس دول، وهي غير قادرة على فرض سيادتها على أي شبر من البلاد من دون الاستعانة بأحد هذه الجيوش. حتى المؤسسات الأمنية باتت بأغلبها تابعة إما لإيران أو لروسيا أو لكليهما.

يظن أصحاب نظرية عودة سوريا إلى لبنان، أن روسيا كفيلة بإخراج إيران من سوريا، وسوريا ستتكفل بتفويض من الدول العربية وروسيا بتقويض نفوذ إيران في لبنان. ربما لم ينتبه هؤلاء إلى أن روسيا غير قادرة وغير راغبة أساساً بوضع أي حد لهيمنة إيران في سوريا، وإن هي استطاعت لفترة أن تسوّق أن أحد أسباب تدخّلها العسكري المباشر في سوريا هو وضع حد لهيمنة الميليشيات الإيرانية في سوريا، ألا أنها فشلت فشلاً ذريعاً، بل زاد نفوذ إيران بشكل كبير بعد التدخل الروسي. فبعدما كان نظام الأسد ومعه إيران فقدوا السيطرة على معظم الأراضي السورية لصالح المعارضة، جاءت روسيا واستطاعت من خلال تفوق سلاحها الجوي أو من خلال الاتفاقات التي عقدتها مع تركيا وايران، من إعادة نفوذ النظام وإيران إلى الكثير من المناطق السورية.

لقد فشل بوتين حتى بتنفيذ الاتفاق الذي عقده مع إسرائيل في العام 2018 وإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود بين سوريا والأراضي المحتلة، فكيف بين ليلة وضحاها ستخرج إيران من سوريا، وتعود سوريا إلى لبنان لتضع حداً لإيران؟

يقال إن أحدهم نقل رسالة عربية لبشار الأسد قدم فيها عرضاً له بعد لقاء مع أحد معاونيه، وهو إخراج إيران من سوريا مقابل التطبيع معه وإعادته إلى الجامعة العربية وعودة فتح سفارات الدول العربية أبوابها في دمشق، وأن رد الأسد كان إيران وقفت معنا عندما كنتم تحاربوننا.

في الواقع، وإن استمر التخبّط الإقليمي على ما هو عليه، مع انحسار الاهتمام الأميركي بالمنطقة فقط بالعودة للاتفاق النووي مع إيران بأي ثمن، فإنه لا فرق إن عاد الأسد إلى لبنان أم لم يعد، طالما أن المنطقة الممتدة من طهران إلى المتوسط مروراً بالعراق وسوريا ولبنان كلها تحت سلطة الولي الفقيه والحرس الثوري.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً