“الحكومة…” تُقرأ من عناوينها!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

بعد الاستشارات النيابية الملزمة التي قام بها رئيس الجمهورية وأسفرت عن تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة، يمكن القول بأن شكل هذه الحكومة – إذا كُتبَ لها أن تبصر النور – بات معروفاً لأنها وكما يقال المكتوب يقرأ من عنوانه، وهي القدر المكتوب علينا أقله في هذه المرحلة الإنتقالية، فكيف وهي تحمل أكثر من عنوان ظهرت تباشيرها خلال هذه الإستشارات الملزمة وفي النتيجة التي إنتهت إليها، وتأكد أكثرها أثناء المشاورات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف مع مختلف الكتل النيابية والنواب؟

أول هذه العناوين هو إعادة تكليف الرئيس ميقاتي نفسه تشكيل الحكومة، وهو ما يشي سلفاً بأنها ستكون إستمراراً للحكومة الحالية مع تغيير بعض الأشخاص ربما من دون الدخول في عمق القضايا الخلافية خاصة وأن الجميع يعرف أنها حكومة إنتقالية لغاية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، حتى وإن تأخر هذا الإستحقاق فلن يكون بمقدورها الحكم بحرية تامة أو إتخاذ قرارات مصيرية في ظل الأوضاع الراهنة محلياً وإقليمياً وحتى دولياً.

ثاني هذه العناوين هو هذا العدد الهزيل من الأصوات التي نالها الرئيس ميقاتي للتكليف وهي أقل من نصف أصوات المجلس، وغالبيتها من الكتل الحليفة تقليدياً له والممثلة في الحكومة الحالية كالثنائي الشيعي وتيار “المردة”، والنواب السنة الذين كانوا محسوبين على تيار “المستقبل”، وهو الأمر الذي ضرب أولاً هيبة موقع رئاسة الحكومة وأظهرها بأنها الحلقة الأضعف في السلطة نسبة الى ما حصل عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، ونائبه إلياس بو صعب المحسوب طبعاً على “التيار الوطني الحر” وبالتالي على رئيس الجمهورية من أصوات، وكذلك ضرب أي أمل أو مؤشر الى جدية الإصلاح المطلوب أو التغيير المنشود في ممارسات السلطة والقيّمين عليها، وهذا ما يؤشر إلى أن الحكومة ستكون مجرد حكومة تصريف أعمال مقنّعة حتى تقضي التطورات الداخلية والاقليمية أمراً كان مفعولاً.

ثالث هذه العناوين وربما أخطرها على المدى المتوسط والبعيد، هو هذا الاستنكاف الماروني ممثلاً بالثنائي الماروني – “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” – عن تسمية أي شخصية لتولي رئاسة الحكومة في خطوة تظهر مدى الخفة التي يتناول فيها البعض الأمور العامة، خاصة وأنهم فعلوا الشيء نفسه تقريباً في إنتخابات رئاسة المجلس، وهو مؤشر خطير يمس بالميثاقية التي صدع رؤوسنا بها هذا الثنائي ليتبين اليوم أن كلا الفريقين يستخدمانها في صراعاتهما الحزبية الضيقة، ويتخذان منها مطية توصلهما إلى هدفهما في “إصطياد” الأكثرية المسيحية لاستخدامها في البقاء داخل “سيستم” النظام القائم على جني المكاسب والمناصب والوظائف عبر المحاصصة الطائفية، غير آبهين بما تجره خطوة من هذا النوع على النسيج الوطني الذي كلف اللبنانيين الكثير من الأثمان، والذي كان البعض منا – ربما عن سذاجة – يعتقد بأن هذه الأساليب قد دُفنت مع شهداء ثورة الأرز الذين سقطوا دفاعاً عن لبنان، وإنتهت مع قسم جبران تويني الشهيد، لنكتشف بمرور الأيام للأسف أنها لا زالت حية في نفوس البعض، وهي ممارسات تعبّر على أية حال عن إفلاس سياسي وأخلاقي سبق وتجلى في مناسبات سابقة، وهذه الأساليب هي أكثر ما دفع الرئيس سعد الحريري إلى تعليق نشاطه السياسي، والذي أثبتت الأحداث وتثبت كل يوم بأنه كان فعلاً “أم الصبي” وأبوه كذلك، والذي كتب عليه في النهاية أن يبتعد عنه قسراً بعد أن عجز عن حمايته عن قرب من خاطفيه الذين يساومون ويساومون عليه كل من ناحيته، علّه بإبتعاده يفسح في المجال لإبقائه على قيد الحياة.

إن هذه العناوين الثلاثة وغيرها التي طبعت تطورات ما بعد الانتخابات النيابية التي أفرزت واقعاً جديداً نسبياً بدخول دم جديد على الحياة البرلمانية تمثل بنواب “التغيير” الذين لا زالوا يتخبطون ويضربون على غير هدى، لا توحي حتى الآن بأي أمل في التغيير سواء في العقلية السياسية أو في الممارسة، وهو ما يجعل من الحكومة العتيدة نسخة عن حكومات الإنهيار الذي يستمر من دون أي رادع أو وازع من ضمير مسؤول يتحسس آلام الناس وآمالهم في العيش الكريم في بلد طبيعي كغيره من بلدان العالم، في وقت يتحرك العالم كله من حولنا في محاولة لايجاد الحلول لمشكلاته ومشكلات المنطقة عبر الحوار والتعاون البناء والحركة المستمرة، فيما نعيش نحن الجمود والفراغ الذي لا يوصل إلا إلى الموت والفناء إذا لم نستفق قبل فوات الأوان.

شارك المقال