شيفرة التأليف أمام رئيس صامت وصهر طمّاع

رامي عيتاني

وهكذا يبدأ الرئيس نجيب ميقاتي مسيرة تأليف حكومته صعوداً إلى قصر بعبدا ومغادرته متجهماً رافضاً التصريح. الطريق بات معروفاً والمشهد ذاته، رئيس صامت يستلم التشكيلة ويضعها على طاولة بالقرب منه، لا كلام ولا تعليق سوى تمتمات لا يفهمها سوى الرئيس سعد الحريري، أما الرئيس المكلف فلا يدرك أي شيء سلبي أم إيجابي، يغادر فيسارع المستشارون إلى اللائحة الموضوعة بخط اليد منعاً لأي تسريب أو تزوير ويشبعونها درساً وتمحيصاً، وينقلون تباعاً ملاحظاتهم إلى مكان إقامة جبران باسيل الذي لم يلحظ اتفاق الطائف أي دور له في المشاركة تأليفاً أو تشكيلاً للحكومة، لكن الصهر الذي سيطر على المقدرات والصلاحيات التي انتزعها من عمه الرئيس قرر إضافة بند إلى بنود الطائف: لا تأليف من دوني أو من بعدي الطوفان.. وبذلك نجح باسيل في فرض الفاصلة التي أراد ميشال عون إدخالها عنوة إبان إقامته الميمونة في قصر الشعب عندما حارب الكون الذي اعتقد أنه يقف حائلاً أمام وصوله إلى سدة الرئاسة… والاَن يشعر عون وباسيل أيضاً أن الكون يقف في مواجهة وصول الصهر خلفاً لعمه الشهير بصناعة جهنم المستدامة طيلة عهده الميمون.

الرئيس نجيب ميقاتي في المركب الخشن يشعر بالأيدي الخفية التي تلعب بالمسودات وبالأسماء، ويعرف جيداً أن الحاكم بأمره يقف خلف الستارة أثناء كل اجتماع تشاوري مع الرئيس عون… ويقف الرئيس المكلف حائراً أمام هذا المشهد المتكرر، هل يكشف المستور ويفضح “تيريز” من خلف الستارة؟ هل يوافق على رغبات العم الرئيس وينصاع للصهر المشاغب؟ أسئلة تدور في رأس ميقاتي وفي باله معاناة الرئيس سعد الحريري وصبر أيوب.

الرئيس المكلف يزور الديمان ليجد حلاً لتلك الشيفرة التي نصبتها بعبدا، وفي الصرح كانت جولة نقاش طويلة عن الحلول السلمية مع فريق استشاري مع الرئيس عون لا يؤمن سوى بالسيطرة على كل شيء تقريباً. ومن المصادفات التاريخية روى أحد الزائرين الحاضرين حادثة طريفة قد تساعد ميقاتي في حل مشكلته مع الجالسين خلف الستارة في القصر الجمهوري، فقال: الرئيس صائب سلام اختلف مع الرئيس سليمان فرنجية في بداية عهده رافضاً توزير نجل الرئيس المرحوم طوني في حكومة العهد الأولى. استقال سلام، وتم تكليف الرئيس رشيد الصلح الذي رفض قبل تحقيق شرطه الوحيد. سأله فرنجية: ما هو شرطك؟. أجاب الصلح: أن توافق على توزير نجلك طوني في حكومتي. ارتاح فرنجية وهكذا تم الاتفاق والتوافق بين الرئاستين الأولى والثالثة بأسلوب شابه بعض الباطنية. ابتسم ميقاتي أولاً ثم ضحك كثيراً رافضاً تطبيق هذا الأسلوب، لأن الفارق كبير بين رجالات ذاك الزمان و”فجعنة” ما يجري الاَن من قضم كل شيء قبل نهاية العهد.

شارك المقال