بين الحسم واللاحسم القريب… الحكومة والبلد في التجميد

هيام طوق
هيام طوق

لا يختلف اثنان على أن ملف تشكيل الحكومة يواجه الكثير من العرقلة، منها ما هو معلن ومنها يبقى جمراً تحت الرماد حتى أن غالبية المسؤولين باتت على قناعة بأن لا حكومة جديدة قبل نهاية العهد الحالي، وما حرب البيانات بين مكتبي الرئيس المكلف نجيب ميقاتي و”التيار الوطني الحر” سوى دليل على عمق الفجوة بين الطرفين، وتشبث رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي كما الرئيس المكلف بالشروط والشروط المضادة كفيل بإطاحة أي تشكيلة، إذ فيما يصر الأول على توسيع التمثيل السياسي في الحكومة، يرفض الثاني هذا الطرح ويتمسك بتعديل طفيف للحكومة الحالية.

ووسط ترقب اللّقاء الثالث بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، الذي أعلن أنه سيزور قصر بعبدا خلال هذين اليومين، تعتبر أطراف مراقبة أنه لا بد من ايجاد حل وسط بين طرحي الرئيسين اذا كانت هناك نية فعلية لتشكيل الحكومة خصوصاً أن الوقت داهم قبل الدخول في المهلة الدستورية لانتخابات رئاسة الجمهورية مطلع أيلول المقبل وإلا استمرار حكومة تصريف الأعمال حتى الانتخابات.

وبعد التوتر والنبرات العالية في التصريحات والاتهامات والاتهامات المضادة بين “التيار الوطني الحر” والرئيس المكلف، يبدو أن هناك وساطة دخلت على الخط بينهما لتبريد الأرضية المشتعلة قبل اللقاء المنتظر بين عون وميقاتي في بعبدا، لمعالجة العراقيل الحكومية بهدوء مع السعي الى التنازل من الطرفين والملاقاة في منتصف الطريق أو ايجاد مقاربة وسطية في الطروحات لأن العناد على هذا الصعيد سيقضي على أي بصيص أمل في التأليف.

وفيما يرى المراقبون أن اللقاء التشاوري المرتقب بين عون وميقاتي يجب أن يكون حاسماً، لناحية التأليف من عدمه، التزم فريق الرئيس المكلف الصمت وعدم التصريح كي لا يحصل أي تشويش على صعيد التأليف في الساعات الحاسمة المنتظرة بحيث يجب أن تكون الصورة قد أصبحت أكثر وضوحاً.

وقال قيادي في “التيار الوطني الحر”: “ليس هناك من تصور موحد بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حول شكل الحكومة بحيث أن ميقاتي يقول ان الحكومة الحالية جيدة مع بعض التعديلات، في حين أن رئيس الجمهورية لديه وجهة نظر أخرى بأن تكون مطعمة بسياسيين. ثم لماذا التغيير في أسماء وزراء دون سواهم؟ ما هي المعايير المتبعة على هذا الصعيد؟ عندما يتم التوافق على شكل الحكومة تصبح الأمور أسهل”.

واعتبر أن “المطلوب من ميقاتي أن يكون جدياً في التشكيل ويتعاطى مع رئيس الجمهورية كما كان التعاطي معه خلال تشكيل الحكومة الحالية، اذ حينها كان يجلس معه ويتناقشان في الأسماء والحقائب ولم يقدم له مسودة ويقول اقترح التعديلات. لو عاد الى طريقة التعاطي السابقة تحل المشكلة وتتشكل الحكومة. من يريد أن يشكل حكومة مع رئيس الجمهورية لا يقدم له مسودة انما يضعها بالمشاركة معه”.

ولفت الى أن “طرح رئيس الجمهورية توسيع الحكومة يهدف الى تسهيل المهمة أمام ميقاتي، ولا يهم عدد الوزراء. وليس صحيحاً أن هذا الطرح لتعويم النائب جبران باسيل الذي ليس بحاجة الى التعويم، وهو لا يريد أن يكون وزيراً في الحكومة الجديدة”، مشدداً على أن “لا ولادة للحكومة طالما لن يغير الرئيس المكلف طريقة تعاطيه مع رئيس الجمهورية، واستمراره في هذا النهج المتبع في التأليف يعني أن لا نية لديه للتشكيل، ويعمل على اضاعة الوقت”.

وأوضح أن “التيار يطالب بالمداورة التي ان طُبقت تطبق على الجميع، إذ لا يجوز أن يكون هناك صيف وشتاء تحت سقف واحد، وبالتالي، التركيبة الحكومية بأكملها معقدة وليست العقدة في وزارة الطاقة فقط”.

أما الكاتب والمحلل السياسي أمين بشير، فأشار الى أن “مسار التأليف الحكومي لن ينتهي في اللقاء المنتظر بين الرئيسين، فهو كباش وشد حبال خصوصاً أن هناك ضغطاً سياسياً على رئيس الجمهورية واضح، وما قاله البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في عظته الأخيرة خير دليل وكأنه يوجه اليه رسالة بترك القصر الجمهوري وافساح المجال لانتخاب رئيس جديد، كما هناك ضغط معيشي على الرئيس ميقاتي. وبالتالي، الزكزكات الحكومية بين الطرفين لا تزال سارية المفعول”، لافتاً الى أن “الرئيسين يعلمان بنقاط ضعف بعضهما البعض وبالضغوط عليهما ما يعني أن الطرّاز الدستوري سليم جريصاتي لن يتنازل عن حصة وازنة للتيار الوطني الحر في المرحلة المقبلة الحساسة، كما أن الرئيس ميقاتي لن يخضع لشروط التيار. الكباش كبير بين ميقاتي وعون حالياً، ولن ينتهي بسهولة، ولن نرى حكومة بين ليلة وضحاها لا بل بالعكس كل المؤشرات السلبية تدل على أننا ذاهبون الى لاحكومة في العهد الحالي، وبالتالي، ارتفاع منسوب الاشتباك السياسي، والشعب يدفع الثمن”.

ورأى أن “لا حسم للمسار الحكومي في وقت قريب، اذ أن ميقاتي حين يأتي بضمانات دولية لا يمكنه أن يقول سأتوقف عن مسار التشكيل والاستدارة نحو حكومة تصريف الأعمال. سيستمر في محاولة التأليف لكن القرار بالاستقالة أو الاعتذار عن التأليف قرار أكبر من ارادته لأنه ينفذ أجندة خارجية باتفاق دولي. والمطلوب في هذه المرحلة الحساسة تمرير الوقت، ووضع كل الأمور في الفريزر، وعدم السماح بالتشنج والانفجار حتى انتهاء ولاية العهد والدخول في تسويات جديدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية”.

ولاحظ أن “التيار العوني من خلال الممارسات يحاول استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي يعتبر أن اتفاق الطائف سلبه اياها. يريد التشكيل مع رئيس الحكومة ويتناسى أننا في نظام برلماني وليس رئاسياً، والمجلس النيابي هو الذي سيعطي الثقة للحكومة اذا تشكلت. وبالتالي، لدى التيار هاجس ومعضلة استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية ان لم يكن بالقانون فبالممارسة. هذه الذهنية يتعاطى بها مع الرئيس ميقاتي كما تعاطى بها مع الرئيس سعد الحريري”، مؤكداً أن “توسيع الحكومة ليس سوى حجة شرعية لجعل المهمة صعبة أمام الرئيس ميقاتي”.

شارك المقال