فراغ رئاسي وحكومة مستقيلة… ومحاذير من أكبر المخاطر

هيام طوق
هيام طوق

ينتظر الجميع اللقاء الثالث المرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي لمعرفة ان كانت ستصدر عنه أي بوادر ايجابية في التأليف على الرغم من استبعاد عدد كبير من المحللين والمراقبين ذلك، في ظل تشبث كل طرف بشروطه ليكتمل المشهد السلبي مع التصريحات النارية والبيانات والبيانات المضادة، مؤكدة عمق الهوة بين الطرفين، بحيث أن ميقاتي يصر على الحكومة الحالية مع بعض التعديلات مع استحالة إسناد حقيبة الطاقة الى “التيار الوطني الحر”، في حين أن الأخير ورئيس الجمهورية يريدانها حكومة موسعة تضم وزراء سياسيين مع التمسك بوزارة الطاقة أو استبدالها بوزارتي الداخلية والعدل، ويعتبران أن طريقة تعاطي الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية تدل على عدم نيته التأليف باعتبار أن المسودات التشكيلية توضع بالتشارك بين الرئيسين، وهذا ما جرى خلال تشكيل الحكومة الحالية.

أوساط الرئيس المكلف الملتزمة الصمت أشارت الى أن الساعات المقبلة حاسمة على صعيد مسار التأليف، وأن ميقاتي سيقوم بكل ما يلزم لولادة الحكومة من دون الخضوع للمطالب التي لا يمكن بلعها، إلا أن مصدراً متابعاً أوضح لـ “لبنان الكبير” أن عملية التأليف أدخلت في النفق نفسه وسارت في المسار عينه لعمليات التشكيل السابقة في العهد الحالي لناحية العرقلات والشروط والمماحكات والمماطلات والاستفزازات، لكن في المرحلة الحالية الجميع محاصر بعامل الوقت الضاغط اذ بات الاستحقاق الرئاسي على مرمى أربعة أشهر، وبالتالي، أصبح الحسم ضرورياً وفي أقرب وقت ممكن إما تأليف حكومة أو الاستمرار في حكومة تصريف الأعمال التي على ما يبدو تبقى حتى اللحظة الأوفر حظاً.

الأجواء المتشنجة لم تنعِ ولادة الحكومة، والطريق بين السراي والقصر الجمهوري لا تزال سالكة مع العلم أن الجميع يتفق على أن الحكومة الجديدة لن تقلب الموازين أو “تشيل الزير من البير” في ظل الظروف الصعبة والمدة القصيرة التي تفصل عن انتخاب رئيس الجمهورية، لكنها تفرمل الانهيار وتكون الضمانة لعدم الوقوع في الفراغ الكامل في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية في موعده.

لكن ما هي السيناريوهات الدستورية والسياسية من اليوم حتى انتخاب رئيس الجمهورية في حال تشكلت الحكومة أو بقيت حكومة تصريف الأعمال؟

اعتبر رئيس مركز “ليبرتي للدراسات القانونية والدستورية” محمد زكور أن “من السخرية في القراءات السياسية أنهم يتوقعون أزمات حكم وأزمات فراغ دستوري، والحقيقة أن الدستور لم يترك أي حالة الا وعالجها. من المعروف جداً أن أي انتهاء لولاية رئيس الجمهورية تصبح معها الحكومة بحكم المستقيلة. وبالتالي، ان كنا أمام حكومة مستقيلة أو إن تشكلت الحكومة الجديدة التي ستعتبر مستقيلة عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، في كلا الحالتين، يجب ألا تكون هناك ثمة أزمة نظام أو أزمة حكم لأنها حالة لحظها الدستور”.

وسأل: “ماذا يحصل عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية؟ يجب أن يشرع المجلس النيابي في الالتئام وانتخاب رئيس جمهورية جديد تكون أولى مهامه الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة الجديد لأن الحكومة أصبحت بحكم المستقيلة”، مؤكداً أن “الدستور عالج جميع النواحي، لكن مشكلتنا في لبنان أن التطبيق الدستوري السليم لا يقترن مع النوايا السليمة أي أن ثمة من يريد أن يعطل الدستور ويفسره على هواه، وهذا غير مقبول”.

وشدد على “ضرورة الذهاب سريعاً الى انتخاب رئيس خلف كي لا ندخل في فراغ رئاسي لمدة سنتين أو أكثر كما حصل قبل انتخاب الرئيس عون لأن هذا يفقد لبنان أهم المؤسسات الدستورية وهي رئاسة الجمهورية، وبالتالي يفقده مكانته السياسية والدولية”.

وأوضح أن “تصريف الأعمال يعني أن الحكومة تقوم باتخاذ القرارات اللازمة حصراً لتسيير الأعمال في البلاد حيث تكون العجلة قائمة ومستمرة. فلا تستطيع على سبيل المثال عقد المعاهدات الدولية أو انشاء التزام جديد على البلد أو أي أمر من شأنه أن يخرج عن اطار تصريف الأعمال. وما يُحكى عن أن حكومة تصريف الأعمال ستناط بها صلاحيات رئيس الجمهورية ليس سوى هرطقة لأنها لا تستطيع أن تتحول الى رئيس جمهورية لديه صلاحيات حصرية نص عليها الدستور ولم يعطها لغيره”.

أما الخبير الدستوري سعيد مالك، فقال: “ليست هناك أي مهلة محددة في الدستور لتشكيل الحكومة. ومن الثابت أن التشكيل واجب دستوري خاصة بعد انتخابات نيابية جديدة أنتجت أكثرية جديدة. واليوم يفترض أن تتشكل الحكومة وتنال الثقة في مجلس النواب”. وأشار الى أن “ما يحصل حالياً هو عملية كباش لا أكثر ولا أقل من أجل عدم تمكين أي فريق من الفرقاء في السلطة من الذهاب نحو تحقيق مكاسب ضمن اطار الرمق الأخير من العهد الحالي”.

ولفت الى أن “هذه الحكومة في حال تشكلت ستكون أمامها سلة من التعيينات من جهة، اضافة الى القرارات التي يمكن أن تؤثر بشكل أو بآخر على العهد اللاحق أو على الحكومة اللاحقة من جهة أخرى”، معتبراً “أننا أمام سابقة في التاريخ اللبناني الحديث حيث أن الحكومة مستقيلة على أبواب انتخاب رئيس الجمهورية. كل فراغ يؤثر بصورة سلبية على المؤسسات، وبالتالي اليوم بمجرد أن نتخيل أن هناك رئاسة جمهورية شاغرة وحكومة تصريف أعمال تدير شؤون البلاد، ندرك ونتلمس أن هناك مخاطر ومحاذير تحيط بالوطن والمواطن مع انتهاء ولاية الرئيس التي لا يمكن أن تمدد لأي سبب من الأسباب وتحت أي ذريعة من الذرائع، إذ أن الرئيس عون سيخلي قصر بعبدا في 31 تشرين الأول. واذا كانت هناك حكومة قائمة كاملة الأوصاف وكاملة الصلاحيات تتسلم مهام رئيس الدولة وصلاحياته وكالة حتى انتخاب رئيس جديد. وان لم تكن هناك حكومة قائمة، فهذه من مسؤولية حكومة تصريف الأعمال وصلاحيتها”.

ورأى أن “لبنان عانى الكثير من المخاطر وما قد نواجهه من فراغ ربما يكون من أكبر المخاطر التي نعاني منها. نحن أمام واقع: رئيس جمهورية انتهت ولايته وواقع يتمثل في عدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات. نحن أمام حكومة تصريف أعمال شئنا أم أبينا. هذا ما يجب أن يدفعنا أكثر وأكثر نحو اجراء انتخابات رئاسية وأن يكون لنا رئيس جديد في مطلع تشرين الثاني المقبل”.

شارك المقال