“كوكتيل” أسماء لرئاسة الجمهورية… هل من طروحات جدية؟

محمد شمس الدين

دخل لبنان في الأسابيع الأخيرة من البازار الرئاسي، وبدأ نسف الأسماء التقليدية المرشحة للرئاسة، بالتزامن مع ازدياد الحديث عن مواصفات رئيس الجمهورية المقبل. وبينما هناك مرشحون حظوظهم أعلى من غيرهم، وأولهم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، يليه قائد الجيش العماد جوزيف عون، بدأت تدخل السباق الرئاسي أسماء جديدة، فلدى الولايات المتحدة الأميركية اسمان لرئاسة الجمهورية، إحداهما سيدة، ولكنها تقبل بقائد الجيش في حال لم يحالف الحظ مرشحيها. أما فرنسا، فمنذ انفجار 4 آب، وهي تحاول الدفع برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ليكون رئيساً. وعربياً هناك من يحاول تسويق اسم الرئيس السابق ميشال سليمان ليتولى الرئاسة من جديد، ويجتمع مع سفراء دول عدة للتسويق له. ومن الجهة الداخلية بدأ طرح أسماء قديمة – جديدة، برز منها اسم النائب السابق إميل رحمة في اليومين السابقين، والمرشحان الدائمان كمرشحي تسوية، الوزيران السابقان زياد بارود ومروان شربل. أما رئيسا أكبر حزبين مسيحيين، جبران باسيل وسمير جعجع، فهما يعلمان أن حظوظهما شبه معدومة، ولكن الأول يراهن على الضغط على “حزب الله”، بينما الثاني يراهن على الضغط على نواب “السيادة” وقوى التغيير، لمحاولة الوصول الى سدة الرئاسة ولو عبر الابتزاز بالفراغ.

وعلم “لبنان الكبير” أن إحدى الشخصيات التي طرحت من خارج المرشحين التقليديين، تقول في مجالسها الخاصة إنه ليس مهماً اسم الرئيس بقدر مواصفاته، فبرأيها الرئيس المقبل يجب أن يجمع اللبنانيين، وهو أمر لم يستطع تحقيقه الرئيس ميشال عون، وكذلك يجب أن يحظى بقبول من المحورين المشتبكين في لبنان، وليس بالضرورة أن يكون وسطياً، فهناك شخصيات قد تنتمي الى أحد المحورين، ولكنها لا تستفز الطرف الآخر. وبرأي هذه الشخصية أن الأهم من ذلك كله أن يكون الاقتصاد هو أولوية لدى الرئيس المقبل، وأن يكون قادراً على جذب المستثمرين إلى لبنان عبر تحسين العلاقة مع المحيط العربي.

مواصفات رئيس الجمهورية، عنوان رنان، ولكن هناك عقبات كبيرة، فمن المستحيل أن تصل أي شخصية إلى سدة الرئاسة من دون رضى “حزب الله”، هذا أمر واقع، وفي الوقت نفسه، لا يمكن للحزب أن يفرض شخصية يفضلها، كما فعل في العام 2016، عندما فرض الرئيس عون، وكذلك لا يبدو أن رئيس “التيار الوطني الحر” سيقبل أن يصوّت لمنافس له كسليمان فرنجية. في المقابل رئيس حزب “القوات اللبنانية”، خاض المعركة الانتخابية بشعار محاربة الممانعة، وبالتالي لن يستطيع التصويت لفرنجية للرئاسة. أما نواب التغيير فهم مشتتون ولكنهم على الأرجح ليسوا في وارد التصويت لفرنجية أيضاً. كل هذه الاعتبارات توحي بأن فرنجية لديه الأصوات الأكثر، ولكنها لا تخوّله أن يكون رئيساً، إلا إذا استطاع الحزب دفع باسيل الى التصويت له، في صفقة قد تضمن له أن يكون رئيساً من بعده، كالوعد الذي حصل عليه الرئيس عون، ولكنها صفقة محفوفة بالمخاطر له، لعدم وجود ضمانة أن المجلس النيابي بعد 4 سنوات، سيكون لمصلحة حلفاء “حزب الله”، عدا عن التحولات الاقليمية التي قد تعصف بالمنطقة وتضرب كل الموازين فيها. لذلك السؤال اليوم، من هو الرئيس الذي يرضي “حزب الله”، وباسيل، والقوى السياسية الأخرى، وفي الوقت نفسه يكون مرضياً عنه إقليمياً؟

أما الأسماء الأخرى، فبعضها طروحات محلية، وأخرى إقليمية، وهي حتى اللحظة لم تسمع كلمة السر النهائية، التي تثبت ترشيحها جدياً، بل هي مجرد أهواء بعض القوى والدول، وبالتالي لم تصل الى مرحلة الترشيح الجدي. فالطرح المحلي لا يمكن الأخذ بجديته كثيراً، أما الطرح الخارجي، فقد يكون مناورة في المفاوضات التي تحصل في المنطقة. قد يكون هذا انتقاصاً من السيادة، ولكنه الواقع، فلطالما كان رئيس الجمهورية في لبنان، لا يأتي إلا بتسوية بين الخارج والداخل، وإلى أن يصبح لبنان دولة بحق، ستبقى الأمور كذلك.

أكبر المتفائلين لا يتوقع أن يمر الاستحقاق الرئاسي بسلاسة، ويرجح أن يكون رئيس الجمهورية المقبل هو “الفراغ” ولفترة طويلة، وما “الشربكة” في الاستحقاق الحكومي إلا خير دليل على ذلك، وطبعاً الأمر لا يتعلق بمصلحة البلد وشعبه، بل هو صراع نفوذ بين محاور داخلية وخارجية، منقسمة بين المحورين الكبيرين الأساسيين، ولكن لكل منها مصالحها الخاصة، التي لا تستطيع الاتفاق في ما بينها حتى، أما الحلول الاقتصادية والمعيشية، فإما أن يموت الزعيم، أو يموت الشعب.

شارك المقال