“خلط الحابل بالنابل”!

رامي الريّس

ثمّة فارق كبير بين أن يقول “حزب الله” انه يضع إمكانيّاته العسكريّة واللوجيستيّة في تصرّف الدولة وبما يعزّر موقعها التفاوضي في القضيّة الشائكة المتمثلة بترسيم الحدود البحريّة، وبين أن يضع السقوف السياسيّة والميدانيّة بما يتجاوز المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة.

حتى لو سلمنا جدلاً في المدى الأوّل المتصل في أن يضع قدراته الكبيرة في تصرّف الدولة، فذلك يتطلب تناغماً كبيراً وتنسيقاً رفيع المستوى تكون الغلبة فيه للدولة ورؤيتها للملف التفاوضي إنطلاقاً من مصلحة لبنان العليا التي قد لا تتقاطع بالضرورة مع مصلحة محور الممانعة الذي لا ينفك يستخدم الساحة اللبنانيّة كورقة تفاوضيّة لحساباته الخاصة على وقع تعثّر المفاوضات النوويّة في فيينا بين إيران والغرب.

في قضيّة وطنيّة على هذه الدرجة العالية من الدقة والحساسيّة، خصوصاً بسبب إرتباطها مع الإحتلال الإسرائيلي، ثمّة مسؤوليّة كبرى بأن يستجمع لبنان فعلاً كل الامكانيّات المتوافرة لصياغة موقف تفاوضي قوي مبني على مبادئ السيادة الوطنيّة على أن يرتكز في الوقت ذاته على قاعدة محوريّة مفادها أن هناك مصلحة لبنانيّة أكيدة من إلتقاط اللحظة السياسيّة وإنجاز إتفاق الترسيم.

على قدر ما تتوافر معطيات تقنيّة وعلميّة وبحريّة تتصل بخطوط الترسيم ومواقعها المختلفة، على قدر ما تتأكد الجوانب السياسيّة والاستراتيجيّة لهذه القضيّة. ليس هناك جانب تقني وحيد يمكن الركون إليه في التفاوض في قضيّة على هذا المستوى من الأهميّة والحساسيّة. المسألة تتعدى رسم خطوط من هنا وهناك، بل تتعلق بعمق الخيارات الاستراتيجيّة اللبنانيّة المستقبليّة وموقعه الاقتصادي المستقبلي.

التجارب اللبنانيّة التاريخيّة مع الإحتلال الإسرائيلي تحتّم بناء كل عناصر القوّة، ولكن تحت أمرة الدولة، والدولة فقط كي لا تُجرّ البلاد إلى حيث لا يُراد، بل عمليّاً إلى حيث يريد ويسعى محور الممانعة. من قال ان هذا المحور ضنين بالمصلحة الوطنيّة اللبنانيّة فعلاً؟ التشكيك مشروع قياساً إلى التجارب التاريخيّة مع المحور التي لم تكن أقل ضراوة من التجارب السيئة مع العدو الإسرائيلي ولو أنها غُلفت بشعارات العروبة وفلسطين والقضايا القوميّة وهي لم تكن سوى شماعة لتحقيق مشاريع إقليميّة أخرى هي أبعد ما تكون عن هذه الشعارات التي إستهلكت على مدى عقود.

المهم الآن، وفي هذه اللحظة بالذات، الركون مجدداً إلى موقف الدولة وعدم إتاحة المجال أمام تشويش من هنا أو هناك بما يهدر الفرصة التاريخيّة للبنان التي هو بأمس الحاجة إليها على ضوء الانهيار الكبير الذي يعيشه على المستويات الإقتصاديّة والاجتماعيّة والمعيشيّة.

لم يكن ينقص لبنان الا أن يدير الملف رئيس هو عمليّاً عضو أصيل في محور الممانعة، وهو ما يؤدّي إلى “خلط الحابل بالنابل”. الله يستر!.

شارك المقال