أزمة لبنان تحضر في جدة وتغيب في بيروت

عالية منصور

غاب لبنان، ولكن القضية اللبنانية كانت حاضرة في “قمة جدة للأمن والتنمية”، التي دعا اليها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز. فالقمة التي حضرها الى الملك سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق، وغاب عنها لبنان، أعطته اهتماماً واضحاً إن كان بما تسرب من نقاشات أو بالبيان الختامي الذي صدر في ختامها.

فقد عبّر المجتمعون عن دعمهم لسيادة لبنان وأمنه واستقراره، وجميع الاصلاحات اللازمة لتحقيق تعافيه الاقتصادي. وأشادوا بانعقاد الانتخابات البرلمانية، كما دعوا جميع الأطراف اللبنانية الى احترام الدستور والمواعيد الدستورية في اشارة الى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ولم ينسَ المجتمعون ما تعانيه الأجهزة الأمنية في لبنان من جيش وقوى أمن داخلي، بحيث أشادوا بمبادرات دولة الكويت الرامية إلى بناء العمل المشترك بين لبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبإعلان دولة قطر الأخير عن دعمها المباشر لمرتبات الجيش اللبناني. وبدورها أكدت الولايات المتحدة عزمها على تطوير برنامج مماثل لدعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي. كذلك رحب القادة بالدعم الذي قدمه العراق الى الشعب اللبناني والحكومة اللبنانية في مجالات الطاقة والاغاثة الانسانية، ودعوا جميع أصدقاء لبنان الى الانضمام للجهود الرامية الى ضمان أمن لبنان واستقراره، مؤكدين في الوقت نفسه على “أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك تنفيذ أحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة واتفاق الطائف، من أجل أن تمارس سيادتها الكاملة فلا يكون هناك سلاح إلا بموافقة الحكومة اللبنانية، ولا تكون هناك سلطة سوى سلطة الدولة اللبنانية”.

اذاً، اهتم المجتمعون بغالبية الملفات التي تهم المواطن اللبناني وتشغله، من أمن وطاقة واصلاح ومساعدات انسانية، مشيرين في الوقت نفسه الى أن السبب الأساس لأزمات لبنان هو غياب سلطة الدولة وهيمنة الميليشيا والسلاح. وإن كان البعض يرى أن البيان لم يأتِ بجديد في شأن لبنان، الا ما يتعلق بالمطالبة باحترام المهل الدستورية لانتخاب رئيس جمهورية جديد، وأن المطالبة ببسط سلطة الدولة وتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان (وتحديداً سلاح “حزب الله”) وتطبيق ما لم يطبق من اتفاق الطائف هي مطالبات تتكرر في جميع البيانات المتعلقة بلبنان من دون خارطة طريق واضحة لكيفية تطبيق هذه القرارات.

الا أن الجديد الأبرز كان حضور القضية اللبنانية وما يعانيه المواطن اللبناني العادي في قمة جدة وغيابها عن أجندة السياسيين في لبنان. فبينما قادة المنطقة ومعهم الرئيس الأميركي يناقشون، من بين القضايا الكثيرة التي ناقشوها، ما يعانيه لبنان وجيشه وشعبه، كان السياسيون في لبنان مشغولين، كعادتهم، بخلق معارك جانبية وهامشية.

يعرف المجتمعون سبب أزمة لبنان، وهي السلاح غير الشرعي والفساد، بينما يجهله “المسؤولون” اللبنانيون، فيبحثون عن الحلقة الأضعف لتحميلها وزر ما آلت اليه الأمور. قادة المنطقة والرئيس الأميركي يتحدثون عن ضرورة دعم الجيش اللبناني، و”قادة” لبنان يريدون إقناع اللبناني والعالم بأن سبب أزمة البلاد غير المسبوقة هو اللاجئ السوري. ومن دون أن ينكر أحد الأعباء التي تحملها ويتحملها لبنان جراء أزمة اللجوء، ولكن المؤكد أن انهيار العملة اللبنانية ليست بسبب اللجوء السوري، وأن ما حل بالقطاع المصرفي لا يتحمل مسؤوليته العامل السوري، وأن هجرة الأدمغة التي حصلت في السنتين الأخيرتين من لبنان ليس سببها الطفل السوري الذي يعمل في الزراعة ليعيل أسرته.

عرف المجتمعون في جدة أن الحفاظ على وحدة الجيش اللبناني وتماسكه أولوية، فهم يدركون تماماً ما يعنيه انهيار الجيش – لا سمح الله – أو أي من الأجهزة الامنية، ومن هو المستفيد من هكذا كارثة إن حصلت، ولكن في بيروت الأولوية للخطاب الطائفي والمطالب الطائفية وشد العصب الطائفي، وكأن أحداً غير “حزب الله” سيستفيد من لعبة الطوائف في نهاية المطاف.

في لبنان قلة من المسؤولين تدرك أي درك وصلت اليه الأمور، قلة قليلة منهم تدرك أن الآتي أبشع بكثير ما لم يتم وضع خارطة طريق اقتصادية واجتماعية وسياسية لانقاذ البلاد من الانهيار ولانقاذ الدولة من الذوبان الكامل لصالح الدويلة، لكن السواد الأعظم منهم لا تنطبق عليهم صفة “مسؤول”، هم فقط طلاب مناصب وكراسي.

قد يكون المجتمع الدولي والاقليمي مسؤولاً نوعاً ما وبطريقة ما عما آلت اليه أمور لبنان واللبنانيين، ولكنها حتماً ليست مسؤولية أحد الا اللبنانيين وأقله وضع حجر الأساس لمشروع إنقاذ لبنان قبل فوات الأوان.

شارك المقال