لبنان صيف وشتاء تحت سقف واحد

عالية منصور

ثمة أشياء كثيرة في لبنان نادرة تكاد لا تجدها في مكان آخر الا لبنان، شيء يحصر التعبير عنه أصحاب المشاعر الجياشة بالقول: “بين البحر والجبل نص ساعة”، وإن كان هذا الأمر موجوداً في دول كثيرة في العالم، أقله على المتوسط أستطيع القول انني زرتها ورأيت كيف تتداخل الطبيعة إن في سوريا أو في اليونان وغيرهما على سبيل المثال لا الحصر.

لكن ما هو موجود في لبنان فقط هو القدرة الملفتة على مواقف الدولة والسياسيين، “صيف وشتاء تحت سقف واحد” يكاد المرء يعيشهما يومياً، وقد يشهدهما أكثر من مرة في اليوم الواحد.

جاءت قضية توقيف المطران موسى الحاج راعي أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والنائب البطريركي على القدس والأراضي الفلسطينية والمملكة الهاشمية في الطائفة المارونية أثناء عودته من الأراضي المحتلة، لتزيد من حالة لا الجنون الطائفي الذي تعيشه البلاد مؤخراً وحسب، بل لتزيد من حالة الانفصام الذي تعيشه الدولة والسياسيون في لبنان.

فوفقاً لتصريحات المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فان المطران كانت معه “عشرون حقيبة سفر”، مؤكداً في الوقت عينه أن المطران الحاج لم يتعرض “لأي إساءة من عناصر الأمن”، وأن تفتيش الحقائب العشرين “استغرق 8 ساعات”، مضيفاً أن المديرية “لم تتلف ما كان يحمله المطران، بل كل ما صادرناه أصبح بتصرف القضاء وليس بتصرف المديرية العامة للأمن العام”.

اما المطران الحاج فقد أوضح أن توقيفه عند نقطة الناقورة كان “متعمداً، لا عرضياً”، وأنها ليست المرة الأولى التي يجرى فيها التضييق عليه لدى عبوره إلى لبنان، مشيراً إلى أنها “ليست معاملة تليق برجل دين، كما تتنافى مع القوانين التي ترعى العلاقة مع الاكليروس والقيادات الروحية من مختلف الطوائف”. وأكد أمام الرابطة المارونية، أن ما قام به هو ايصال المساعدات الى عائلات لبنانية لأسباب ودوافع انسانية لا علاقة لها بالسياسة أو بأي أجندة.

قبل عام تماماً من الآن، تقدم عدد من المحسوبين على “حزب الله” بدعوى قضائية ضد العلامة السيد علي الأمين مفتي صور السابق وعضو مجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر بجرم اجتماع مزعوم مع مسؤولين إسرائيليين في البحرين، وذلك بعد حضوره مؤتمر حوار الأديان في العاصمة البحرينية، يومها قامت حملة تضامن واسعة مع السيد الأمين ولكن ولأسباب كثيرة لم تأخذ أي بعد طائفي، بل كانت حملة تضامن لبنانية مع رجل دين شيعي ضد السياسة التي ينتهجها “حزب الله” مع خصومه، وهو ما لم يحصل اليوم مع المطران الحاج، لأسباب عدة، أولها قد يكون نقل أموالاً جزء منها تبرع بها أشخاص ينتمون الى جيش لبنان الجنوبي، أو أشخاص يرى جزء من اللبنانيين أنهم عملاء لا يجوز التعامل معهم تحت أي ذريعة، فيما يرى جزء آخر أن قسماً كبيراً من اللبنانيين المقيمين في اسرائيل يجب أن يعودوا الى لبنان وأن تطوى صفحة إبعادهم (وهذا ما نص عليه اتفاق مار مخايل بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” في العام 2006)، ومن المهم ذكر أن هذا الملف يجب أن يضاف الى سلسلة الملفات التي أخفق فيها “التيار الوطني الحر” حتى بعد وصول الجنرال ميشال عون الى سدة الرئاسة، ولا يزال ما اتفق عليه مع الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله حبراً على ورق.

وإن كان ما قام به المطران الحاج هو عمل مخالف للقوانين اللبنانية، لأنه حتى اللحظة لم تطوَ صفحة اللبنانيين الموجودين في اسرائيل، لكن اللافت أن أصحاب الصوت الأعلى في الدفاع عما حصل مع المطران، انتفضوا مذهبياً من دون القيام بأي خطوات عملية حتى اللحظة لحل قضية هؤلاء العالقة منذ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان في العام 2000.

واللافت أكثر أن الدولة التي أرادت تطبيق قوانينها على المطران الحاج، هي نفسها الدولة التي تقف عاجزة أمام ما يقوم به “حزب الله” الذي اعترف مراراً وتكراراً بأنه يتلقى لا الأموال من ايران وحسب، ولكن السلاح أيضاً.

وإن كان ما قام به المطران مخالفة، فان الأخطر في الأمر هو كيفية تعاطي الدولة التي باتت وأجهزتها في حالة تماه تام مع سياسة ايران و”حزب الله”.

هي الدولة بمعناها الحقيقي الغائب الأبرز، وهو القانون المرن ليتحول أحياناً الى مادة شبه هلامية، وهي المذهبية والطائفية التي تخدم أولاً وآخراً منطق “حزب الله”، ويذهب اليها الكثيرون مهرولين، هو صيف وشتاء تحت سقف واحد في غياب شبه تام لمفهوم الدولة والمواطنة.

شارك المقال