صحوة أوروبا الجيوسياسية… وهم أم حقيقة؟

حسناء بو حرفوش

لم يؤد الغزو الروسي لأوكرانيا، على عكس التأكيدات السائدة، إلى تحول جيوسياسي أساس في العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، حسب تحليل في موقع مركز “كارنيغي أوروبا”. ووفقاً للمقال، “هناك شبه إجماع على أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع الاتحاد الأوروبي الى مزيد من الإصرار والوحدة الجيوسياسية. ويبدو أن الحرب قد فتحت المجال أمام المزيد من التقدم في السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي في غضون بضعة أشهر مقارنة بما تحقق في العقود السابقة. وهذا ما أعلن عنه الممثل السامي جوزيف بوريل بجرأة من خلال الكلام عن “صحوة أوروبا الجيوسياسية”.

(…) ومع ذلك، لا يوجد اليوم تحول جيوسياسي كبير كما يشاع، فإلى جانب الاجراءات الفردية التي تم تبنيها منذ غزو أوكرانيا، لا توجد سوى مؤشرات متواضعة على أن الاتحاد الأوروبي يشرع في اتجاه جديد في الطريقة التي يتعامل بها مع التحديات الدولية. ويسود موقف موحد بصورة ملحوظة حول ضرورة إلزام الاتحاد الأوروبي لنفسه بممارسة المزيد من القوة والنفوذ في العالم. بالنسبة الى البعض، يحتاج الاتحاد الأوروبي الى تسخير الانفتاح الجيوسياسي ووضع خيارات طويلة الأمد لتعزيز قدراته وعملياته المؤسسية. وتشير تطلعات السياسة الرسمية للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء جميعها إلى الهدف نفسه المتمثل في زيادة الحضور الدولي.

وفي الوقت نفسه، يؤشر العديد من عناصر العمل الخارجي للاتحاد الأوروبي الى مسار معاكس نحو خفض مستوى الطموح والالتزام المقطوع. وبينما كانت الخطابات السائدة تركز على إسقاط القوة الخارجية، بدا أن سياسة الاتحاد تتركز على صد نفوذ القوى الأخرى أو تخفيفها. وتشير الأحداث في أفغانستان ومالي وسوريا وأماكن أخرى إلى الابتعاد عن الأشكال الطموحة لتدخل الاتحاد الأوروبي في الصراع. وفي خضم الحديث عن رده على الحرب في أوكرانيا، استكمل الاتحاد الأوروبي تقليص مهمته الأمنية في مالي، ويعمل منذ سنوات عدة على تعزيز قدراته الدفاعية من خلال التعاون المنظم الدائم وصندوق الدفاع الأوروبي، لكن هذه الجهود موجهة أكثر نحو حماية الأراضي الأوروبية أكثر من الإسقاط الخارجي للقوة الصلبة.

وتعد مساعدات التنمية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي مستقرة نسبياً ولكنها تمثل حصة منخفضة ومتناقصة من الناتج المحلي الإجمالي للدول المتلقية، بينما يزيد المانحون غير الغربيين من تمويلهم الخارجي بصورة أكثر حسماً. ومن الواضح الآن أن الصين قد حلت مكان الاتحاد الأوروبي في أفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث أن الأخير لا يمتلك استراتيجيات طموحة خصوصاً في أي من المنطقتين لعكس ذلك. عدا عن ذلك، دفعت روسيا الدول الأوروبية جانباً في أجزاء من الشرق الأوسط، على الرغم من قوتها الاقتصادية المحدودة.

وبلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي من الاتحاد الأوروبي ذروتها قبل بضع سنوات، وتتحول السياسة التجارية للاتحاد الآن إلى سياسة صناعية داخلية. كما تباطأت وتيرة توقيع اتفاقيات التجارة الجديدة وتم التخلي فعلياً عن محادثات التجارة الحرة التي استمرت لسنوات عديدة، وابتعد الاتحاد الأوروبي عن العمل الخارجي الذي يركز على التصدير بالجملة لقواعده نحو أشكال أخف من الحوار الديبلوماسي.

ويمكن ملاحظة أن رد الاتحاد الأوروبي على الغزو الروسي لأوكرانيا لا يناسب هذا الاتجاه فحسب، بل إنه يضخم التنافر بين خطاباته وأفعاله. وكاد الخطاب الذي يركز على تحرك الاتحاد الأوروبي حالياً في خطوات عدة تخدم طموح سياسته الخارجية وإبراز قوته أن يكون محموماً على الرغم من الأحداث المأساوية في أوكرانيا. ومع ذلك، بقيت قرارات السياسة الرئيسة للاتحاد الأوروبي تسترشد بالرغبة في عدم المشاركة بصورة مباشرة وعدم تحمل مسؤولية الاندماج السريع لأوكرانيا وعدم الاضطرار إلى إدارة الترابطات الدولية المتشابكة بشدة.

(…) ويستدعي الوضع الحالي حاجة إلى نقلة نوعية في شروط النقاش حول الوجود الدولي للاتحاد الأوروبي، والتركيز على التوازنات المعقدة بين أنواع مختلفة من المصالح الذاتية والأولويات والمقارنة بدقة أكبر بين تكاليف التورط أو عدم المشاركة في الأزمات. الخلاصة هي أنه على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يطوّر من نشاطه الخارجي في بعض المجالات، تحتاج تطلعاته الى مواءمة ما هو واقعي سياسياً. وقد تساعد مجموعة أكثر تنوعاً من الأفكار الاستراتيجية في تغذية النقاش حول دور أوروبا على الساحة العالمية، وهذا ما قد يفيد أوكرانيا أكثر بكثير من الاحتفالات الواهية بما يعتبر كصحوة جيوسياسية”.

شارك المقال