اللحظات التاريخيّة لا تتكرّر!

رامي الريّس

ثمّة إشكاليّات وتعقيدات كبرى باتت تتصل بملف الطاقة على المستوى الدولي على خلفيّة الحرب الروسيّة في أوكرانيا، وهي تتمظهر على شكل إرتفاع في أسعار النفط والمحروقات، ونقص حاد في توفر المادة حتى في أوروبا والأسواق الغربيّة.

مدينة برلين أعلنت أنها قررت التوقف عن إنارة بعض المعالم الأثريّة والتاريخيّة في إطار الجهود الوطنيّة لخفض إستخدام الطاقة وتوفيرها حيث أمكن تلافياً للوقوع في مخاطر نقص الإمدادات والتوليد. ونتيجة هذا القرار، سوف لن تتم إنارة ما يزيد عن 200 موقع ومبنى أثري من أبرزها عمود النصر الشهير وقصر شارلوتنبورغ ومبنى البلدية.

أما الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير فأعلن أيضاً أن القصر الرئاسي الذي يقيم فيه، قصر “بلفيو”، لن يُضاء ليلاً إلا في المناسبات الرسميّة وعند إستقبال الضيوف أو إقامة الإحتفالات البروتوكوليّة.

قبل إندلاع الحرب الروسيّة على أوكرانيا، كانت ألمانيا تؤمن نحو 55 بالمئة من حاجاتها النفطيّة عبر شراء الغاز الروسي، وقد إنخفضت هذه النسبة إلى 35 بالمئة بعد نشوب المعارك العسكريّة. وفي ضوء الخلاف الأوروبي والغربي مع موسكو، صارت مسألة توفير الغاز ومصادر الطاقة تشكل تحديّاً كبيراً للغرب الصناعي الذي يعتمد في معظم قطاعات إقتصاداته المتطورة على أساليب توليد الطاقة التقليديّة ولو أنه يتجه تدريجيّاً، ولكن بخطوات غير كافية، نحو الطاقة البديلة.

إنطلاقاً من كل ذلك، لا يمكن التقليل من أهميّة أن يخطو لبنان خطوات سريعة، إنما مدروسة، لإنجاز ملف ترسيم الحدود البحريّة مع الاحتلال الإسرائيلي والبدء بإستخراج ثرواته الغازيّة والنفطيّة من قعر البحر عقب حسم هذا الملف الاستراتيجي والحساس والذي لا يحتمل المزيد من التأخير والتسويف والمراوحة.

ثمّة مساحة سياسيّة، وغير سياسيّة، يمكن للبنان من خلالها أن يوفّق بين الحفاظ على سيادته وحقوقه الوطنيّة، وبين إعتماد جرعة من السياسة الواقعيّة بعيداً عن الشعارات الشعبويّة والاستهلاكيّة الفارغة ليتمكن من النفاذ نحو إلتقاط اللحظة التاريخيّة التي قد تتمثّل في إنجاز إتفاق ترسيم الحدود البحريّة.

إن النجاح في إجتياز هذا الاستحقاق الكبير، لا يؤمن دخول لبنان إلى نادي الدول النفطيّة فحسب، وأن ينجح في حجز موقع له في خارطة الموارد الطبيعيّة الدوليّة، إنما أيضاً من شأن هذا الأمر المساعدة في إنتشاله من القعر السحيق الذي هبط إليه بفعل الأزمات المتلاحقة إقتصادياً وإجتماعياً ومالياً ومعيشياً. طبعاً، هذا يتطلب إقرار إنشاء الصندوق السيادي وممارسة أعلى درجات الشفافيّة للحيلولة دون تغلغل الفساد إلى هذا المرفق المهم.

لم ينجح لبنان، ولن يُسمح له أن ينجح، في ترسيم الحدود البريّة مع سوريا، أو في ضبط المعابر الشرعيّة وغير الشرعيّة؛ فلننفذ على الأقل لإنجاز ملف ترسيم الحدود البحريّة قبل فوات الأوان. اللحظات التاريخيّة لا تتكرر دوماً!

شارك المقال