رغيف السوري وأزمة القطاع المصرفي

عالية منصور

بعد الطوابير على ابواب المصارف التي كانت تستمر لساعات النهار كله ينتظرها المودع ليحصل على جزء من امواله المودعة في البنوك وبالعملة والتسعيرة التي حددتها ادارة هذه المصارف مع مصرف لبنان لا كما ائتمنهم هو، وبعد الطوابير امام محطات البنزين وانتظار المواطنين لساعات يصل ليله بنهاره للحصول على ليترات محددة من مادة البنزين، كان الاسبوعان الفائتان موعدا للطوابير امام الافران في انتظار ربطة خبز.

وبدلا من ان تشعل ازمة الخبز غضب اللبنانيين ضد السلطات المسؤولة عما آلت اليه الاوضاع، وبدلا من ان يتصدر المشهد محللون وسياسيون يتحدثون عن حقيقة الازمات التي يمر بها لبنان، وعن تأثير الحرب الروسية على اوكرانيا في اسعار القمح وقلة توافره، كان الغضب من نصيب اللاجئ السوري، الذي اتهم بأنه يأكل أكثر من غيره مرة، وانه يتاجر بالخبز مرة، وانه المسؤول عن تهريب الطحين الى سوريا مرة، وكأن من هرّب الصيف الماضي مادتي المازوت والبنزين المدعومتين حينها الى نظام الاسد مجهول، أو كأن هذا اللاجئ يملك القدرة على الاستيلاء على الطحين المدعوم وتهريبه من دون ان تتمكن الدولة والسلطات الامنية من ايقافه.

اعتداءات لفظية وجسدية تعرض لها اللاجئون السوريون في لبنان، بعض الافران منعت بيع الخبز لغير اللبنانيين، وامام بعض الافران تمت “مصادرة” ربطة الخبز من بعض السوريين الذين ظنوا أنفسهم محظوظون بالحصول على ربطة خبز بعد انتظار ساعات تحت الشمس مثل اللبنانيين.

في المقابل، وكما في كل مرة يتعرض بها اللاجئ السوري لحملات تمييز عنصرية في لبنان، كان المدافعون عن حق السوري كما غيره بالحصول على ربطة خبز لبناني آخر يرفض عنصرية بعض مواطنيه، ولكن هذا اللبناني الذي يرفض عنصرية الآخرين صار هو نفسه عرضة لحملات التخوين والتشويه. حتى صار مفهوم الوطنية عند البعض مرتبط بمنسوب العنصرية، كلما كنت عنصريا أكثر كلما زاد منسوب وطنيتك.

المؤسف بالامر ليس فقط غياب المحاسبة عمن اوصل البلاد الى ما وصلت اليه، وغياب المساءلة بحق من يستسهل اعطاء معلومات مفبركة من شأنها ان تحرض على اللاجئ بل وتعرضه للخطر، كمقولة ان اللاجئ يقبض بالدولار الاميركي بينما العسكري اللبناني لا يجد ثمن طعامه وعائلته، حتى صارت الكذبة تكبر ككرة الثلج ولا من يجرؤ ممن يعرفون حجمها على الافصاح عن حقيقة ما يتلقاه السوريون في لبنان، وكيف يستفيد منه اللبناني كما السوري وقبل هذا وذاك كيف يستفيد منه مصرف لبنان، فالمساعدات تأتي من الخارج بالدولار وتعطى للسوري بالليرة اللبنانية.

ما من أحد من المسؤولين اليوم يجرؤ على تسمية الامور باسمائها، والقول ان المسؤول عن ازمة الرغيف في لبنان ينتمي لنفس محور المسؤول عن تهجير السوريين الى لبنان وغير لبنان.

مما لا شك فيه ان لبنان تحمل عبئا كبيرا جدا بموضوع اللجوء السوري، لكن هل يتحمل اللاجئ مسؤولية فشل السلطة اللبنانية بادارة ملف بحجم ملف اللجوء السوري؟ ألا يتحمل الرئيس نجيب ميقاتي وهو كان رئيس الحكومة عام 2011 مسؤولية رفضه تنظيم ملف اللجوء منذ اليوم الاول؟ ألا يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية فشله في ايجاد حل للأزمة السورية بعد اكثر من 11 عاما على انطلاق الثورة السورية وبدء بشار الاسد جريمته الكبرى بحق السوريين قتلا وتعذيبا وتهجيرا؟ أم ان اللاجئ السوري لأنه الحلقة الاضعف هو من يجب ان يحاسب من دون وجه حق، فقط لكونه الاضعف ولا من يمثل مصالحه ويرفع الصوت عاليا؟ وهل نسمع بعد ايام عن دور اللاجئين السوريين في ما حل بالقطاع المصرفي اللبناني مثلا، فكونهم الاضعف “جسمهم لبيس” وجاهز لأي اتهام؟

الاخطر من موضوع العنصرية وتحميل اللاجئ مسؤولية كل ما حصل ويحصل في لبنان لدرجة حرمان بعضهم من ربطة خبز، هو ان هذا التحريض المستمر على اللاجئ السوري والذي كانت نتيجته في مرات عديدة اعتداءات جسدية، هو محاولة البعض استخدام ملف اللاجئين السوريين لغايات سياسية ومشاريع فتنوية ان لم يتم التنبّه والتنبيه منها قد يحصل ما لا يتمناه عاقل ولا وطني حقيقي.

شارك المقال